وبعد أن استثمرنا العشر الأول من رمضان بلفّ (السمبوسة) والعشر الوسطى بشراء ثياب العيد، والعشر الأواخر بشراء الحلويات و(الطرطعان)،
وبعد أن استثمرنا العشر الأول من رمضان بلفّ (السمبوسة) والعشر الوسطى بشراء ثياب العيد، والعشر الأواخر بشراء الحلويات و(الطرطعان)، يأتي العيد بما مضى ولا جديد، ملابس جديدة مبهجة وشوارع تضج بالمفرقعات، ومظاهر للفرح بلا فرح، وزيارات تبدو عبئاً ثقيلا، وكثيرون يأتي العيد ويغادر وهم نائمون، والذين استيقظوا استيقظوا كرها واحتفلوا كرها ولهذا يأتي العيد ويرحل ولا عيد!
اجتهدنا بشراء الأجمل لكننا لم نقاوم (السمبوسة والجبنية واللقيمات) فزادت الأوزان في شهر (الإفطار كما اتفقنا) وصار منظر ثياب العيد يشبه الدائري الجنوبي (كل عام وأنت بخير أخي ساهر)، ولم تفلح كحلة العيد بتخفيف احمرار (العيون الساهرة) فترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولم تستطع خيالاتنا التخلص من مشاهد الزحام وضجيج الأسواق وبقينا في مجالس العيد نعاني من طنين النحل في رؤوسنا ولا عسل!
واجتمعنا وبدأنا الاحتفال بالعيد بإرهاقنا وعيوننا الحمراء، واستلمنا الغائبات: فلانة لم تأتِ للمعايدة، وعلانة لم يحلُ لها السفر إلا في العيد، وهنّ يعلمن أنّ العيد هو المناسبة السنوية الوحيدة التي تجمعنا، ثم نلتفت للحاضرات: حمدا لله (فلانة وش تحسّ فيه) وهي ترتدي (الجزمة الفوسفوريّة حشا رونالدو على غفلة) تصدقين لو شركة الكهرباء تمزح معنا اليوم ما علينا خوف، سلامات فلانة ما بها سقطت على عينها أوانفجر فيها لغم (يا كافي) هذا ظل عيون (حشا كدمة)!
والعيد كالغريب يتصفح وجوهنا بحثا عن ابتسامة ترحيب صافية، عن نظرة احتواء نقية، عن أرواح تحسن الاحتفال بغير المظهر، فلو أننا أحسنّا معايدة أرواحنا ما فرّطنا بالطمأنينة التي يفترض أننا طيلة رمضان نرتشفها في العبادات وختم القرآن، ولو أننا استشعرنا روحانية رمضان ولم تسرق الأسواقُ رمضانَ منا، ولو تطهرنا من الشقاق والخصام وتخلصنا من (كراكيب) المواقف القديمة، ولو شغلنا بعيد الأرواح عن عيد الأجساد لم (يطفش) العيد ويغادرنا سريعا ولبقينا في عيد طول العام!