ظلت الاتهامات المصرية لحركة حماس تنحصر داخل دوائر وسائل الإعلام؛ حتى أعلنت النيابة العامة قرار الإحالة في القضية الشهيرة باسم اقتحام السجون، التي تضم 132 متهما منهم 71 فلسطينيا ينتمون للحركة التي تحكم قطاع غزة، بينما يُصنف بقية المتهمين كقادة الإخوان المسلمين، إضافة إلى عناصر لبنانية من حزب الله، وهذا التطور القضائي يعني انتقال الاتهامات المصرية لـحماس للمستوى الرسمي، وهو ما ستترتب عليه نتائج سياسية وخيمة، بين السلطة الجديدة بمصر، والحركة التي تُمثل الذراع الفلسطينية المسلحة للتنظيم الدولي للإخوان.
لن يتحقق الأمن في مصر، ونتمكن من القضاء على التنظيمات التكفيرية المُسلحة في سيناء، ما دامت حماس تحكم قطاع غزة، هذا ما سمعته من مسؤول مصري رفيع المستوى، مُشيرا إلى المواجهات الدامية يوميا بين الجماعات التكفيرية المنتشرة بسيناء والجيش المصري، الذي أكد رسميا في عدة تصريحات، أنه تمكن من القضاء على نحو 90% من القدرات القتالية وتسليح التنظيمات التي تدفق عليها عبر الحدود الغربية من ليبيا، التي تعدّ أكبر سوق لتجارة وتهريب الأسلحة التي كان نظام القذافي يمتلكها، وقبيل سقوطه فتح المخازن لعوام الليبيين لحمل هذه الأسلحة التي اشتراها من الشرق والغرب، وبمجرد سقوطه تدفقت بكثافة عبر الحدود مع مصر، التي كانت منفلتة عقب ثورة 25 يناير، وبالتالي أصبحت الأسلحة الليبية بضاعة رائجة بأسواق السلاح السوداء، ورأيت بعيني بمسقط رأسي بصعيد مصر الذي اعتاد أهله اقتناء الأسلحة أنواعا لا تمتلكها سوى الجيوش النظامية، كالمدافع المضادة للطائرات وغيرها من الأسلحة الثقيلة.
وتؤكد مصادر أمنية مصرية في محاضر التحريات الرسمية في القضايا التي يُحاكم فيها الرئيس المعزول وقادة الإخوان؛ أن الجماعة ـ وتحديدا بإشراف رجلها القوي خيرت الشاطر، النائب الأول لمرشدها العام ـ اشترت كميات هائلة من الأسلحة الليبية لتسليح ميليشيات التنظيمات التكفيرية الموالية لجناح القطبيين، كما أسهمت أيضا في تهريب الكثير منها لحلفائهم بحركة حماس عبر الأنفاق، وهو ما جعل سيناء ساحة حرب تشهد عمليات إرهابية يوميا، وصلت لحد استهداف مروحية مصرية، في سابقة هي الأولى من نوعها.
ثمة أمر آخر تضمنته تحريات أجهزة الأمن المصرية يتحدث عن تدريب كتائب القسّام لأعداد كبيرة ممن وصفتهم بـميليشيات الإخوان التي تتألف من عناصر مُقاتلة تنتمي للجماعة، وأخرى موالية لتنظيم القاعدة كانت هاربة خارج مصر، وغضّ نظام حكم الإخوان إبان حكم الرئيس السابق محمد مرسي الطرف عن عودتهم لمصر، للانخراط في تلك التنظيمات التكفيرية المسلحة، التي تلقت تدريبات على حرب الشوارع، واستهدفت جنودا مصريين ومنشآت عسكرية وأمنية بسيناء وغيرها، وتخوض مواجهات مسلحة مع الجيش المصري.
عقب إطاحة حكم الإخوان وعزل مرسي، نقلت التنظيمات عملياتها من سيناء لشتى ربوع مصر، سواء بتفجير منشآت حيوية كمديريتي أمن الدقهلية والقاهرة، أو محاولة اغتيال وزير الداخلية، واغتيال ضابط بجهاز الأمن الوطني، وأخيرا مدير مكتب وزير الداخلية، فضلا عن المواجهات الدامية شبه اليومية مع قوات الجيش والشرطة، التي تسفر عن سقوط ضحايا من الجانبين، في سياق تصعيدي يبعث رسالة للخارج مفادها أن النظام الحالي بمصر عاجز عن توفير الأمن، حتى لأهم رجاله ومنشآته، فضلا عن المواطنين.
وعقب إعلان قرار الاتهام في قضية اقتحام السجون، صارت حماس طرفا رسميا في الصراع، مما يُثير تساؤلات عما تعتزم السلطات المصرية اتخاذه من إجراءات ضد الحركة، وراجت تكهنات وتسريبات عن احتمال اللجوء لخيار عسكري لإسقاطها لتغيير الواقع بالقطاع، لكن حماس تستخف بهذا الاحتمال، ليقينها بأن التدخل العسكري المصري يبقى محكوما بحسابات معقدة، لعدم إحراج القاهرة أمام العالمين العربي والإسلامي.
لكن مصر لن ترضخ لهذا الابتزاز الحمساوي طويلا، فهناك مصادر تتحدث عن خيارات لتصحيح الأوضاع بحدودها الشرقية، لوقف العمليات الإرهابية بسيناء وربوع البلاد، وأشارت إلى اللجوء لتدابير احترازية وعمليات استخبارية لمحاصرة حماس، كالقضاء على بيزنس الأنفاق بعد تدميرها، ومنح قرار فتح معبر رفح للسلطة الوطنية الفلسطينية، ودعم الحركات الشعبية بالقطاع مثل تمرد غزة المناوئة لحكم الحركة، ليس بهدف تصفية وجودها بالضرورة، ولكن لإسقاط حكمها.