مفارقة وقع فيها دعاة السياسة ومشايخ الفتنة، بعد تفاقم الجدل الاجتماعي المحتدم الغاضب من دورهم وضرورة محاسبتهم، يتمرغون في رغد العيش بينما يختفي الأغرار من بيوت أسرهم ببساطة، ليعلنوا رحيلهم للجهاد وسط رعاية خليجية للمخيمات السورية، التي تكتظ بالسوريين شبانا ورجالا؛ أليس أولى أن ينهض المواطن السوري بمهمة الذب عن أرضه وعرضه وهو المستفيد مستقبلا بتحرير وطنه من الاحتلال الإيراني؟ لماذا لا يتم الترويج للجهاد في المخيمات؟!
تناول الإعلام تعرية من يتغزلون في الجنة وحورها العين، ولا يطلبونها للمشاركة في قتل العرب والمسلمين السنة فيما بينهم، بينما يوجدون بيننا، مئات الأسر تحن لمراهق رحل أو شاب خسرته أسرته دون أن يقدموا هم لنا ما يدلل على مصداقيتهم، وأنه الجهاد الشرعي الذي يعلنه ولي الأمر، ومن الفداحة والوقاحة للموقف المخزي أنهم بالصوت الحي يجدون أنفسهم على حق.. ولا يعتقد أي عاقل أننا نحتاج توحيد الخطاب الرافض لهذا المنهج والفكر المنحرف وسخطه على مجتمعنا نتيجة نبذنا للعنف ونزعتنا للتنمية والاستثمار في الشباب وحمايتهم، بدلا من إهلاكهم في حروب ليس لهم قدرة على فهم تعقيداتها حتى يكونوا حطبها..
دعاة الفتنة يتحججون بترويجهم الكاذب عن عدم منع السعودية السفر للجهاد في سوريا، ويكفي وضع جملة السعودية تمنع الجهاد في سورية بمحرك البحث لنجد المنع والرد المفحم.
يتزامن هذا الضجيج مع موسم واعد، فالعائدون السعوديون مرشحون مستقبلا للتزايد، افتتح الموسم أشهرهم، وكان حديث المجالس منذ سفره ووصل إلى بلادنا الأسبوع الماضي، وسلم نفسه للتحقيق معه، وكل من سيدركون لاحقا بعودتهم حجم ما ارتكبوه في حق أسرهم ووطنهم من خطأ فادح ويقررون العودة لمجتمعهم.. نطالب بفحصهم فكريا وإدماجهم ببرامج المناصحة، وعدم ترك السفر متاحا هكذا ببساطة أمامهم، ومنع من سافر منهم وهدد وطنه، حتى ينضج ويستوعب تبعات قراراته.. رغم أهمية عودتهم لتبيان فساد الفكرة نفسها، وأن خروج المئات أو حتى الآلاف ليس أداة التحرير لهذا البلد المنكوب سورية والقوى العظمى جعلته مسرحا للفظائع، التاريخية.. فأفغانستان والعراق تمزقتا، وحصدنا من الحروب جراحا لا تندمل وأحزانا، وشمت ذاكرتنا ومنازلنا بمرارة الفقد.
ليت الحروب أنتجت أوطانا كما نأمل ونتمنى، بل حُرق الأخضر واليابس،
وفوق البيعة تم استهداف شبابنا، والويل لنا من دعاة السياسة والضلال لو جرمنا ذلك.. حتى يتكسب هؤلاء، فلولا مكاسب يبتغونها ما حرضوا على أمر لا يقبلونه لأنفسهم وأبنائهم وأحبتهم، ولو كان به مصلحة لتعلقوا بأهدابه حتى تتساقط من فرط إقبالهم على الدنيا ومكاسبها.. للحديث بقية.