إن أول شيء يجب أن تعمله السلطات المختصة هو اتخاذ كل ما من شأنه أن يقلل من معاناة الموقوفين الأجانب. بما يحفظ لهم كرامتهم وإنسانيتهم

حمَلتْ صحيفة الوطن نبأ وفاة خمسة إثيوبييّن في مقر إدارة الترحيل بجازان. وقال الناطق الإعلامي لشرطة منطقة جازان النقيب عبد الرحمن الزهراني: إن الوفاة نتجت عن اختناق بسبب الزحام.
وفي رأيي المتواضع أنّ هذه الجريمة يجب أنْ يتمّ التعامل معها والتحقيق فيها بكل جدّية، وتصريح الناطق الإعلامي حول سبب الوفاة يثير الشكوك أكثر ممّا يجيب على الأسئلة ويطمئن الأجانب المقبوض عليهم في انتظار الترحيل.
وشخصياً فقد شعرت بألم شديد أن يموت خمسة أشخاص أبرياء في رمضان وكل جريمتهم أنهم مقيمون غير شرعيين، وهي جريمة لا تستدعي الموت أو السجن بل كل عقوبتها هو الإبعاد عن الوطن. وبالإضافة إلى الألم الذي أشعر به، فأنا أيضاً محبط وحزين ومحتار إذ كيف يُفَسَّر موتهم بأنه موت طبيعي نتيجة أسباب طبيعية؟
وقد تم تشكيل لجنة من الإدارة الصحية والجوازات وغيرها من الإدارات الحكومية المعنية لبحث أسباب الوفيات. ولعلّ أولَ أعمال هذه اللجنة هو أنْ طالبت بتوفير الخدمات الصحية اللائقة في عنابر الموقوفين. ولكن مهما حصل فلن تعود الحياة إلى الإثيوبيين الخمسة الذين رحلوا وهم في ضيافتنا وتحت حمايتنا.
وهذه الوفيات المحزنة تفتح ملف عنابر التوقيف من جديد، ومعاملة النزلاء فيها وكيفية إسكانهم خاصة أنّهم ليسوا مجرمين بل مخالفون لأنظمة الإقامة في البلاد وهي ليست جريمة إنّما مخالفة كلّ عقوبتها الترحيل.
وأذكر أنني قبل عدة سنوات ذهبت إلى إدارة الوافدين بالقرب من المطار القديم في جدة لتفقد أحوال سائقي الهندي الذي كان مُحتجزا هناك، وهالني الزحام وتكدس الموقوفين الأجانب بالمئات في غرف ضيقة ليست لها تهوية أو أية وسائل صحية أخرى. وكان المكان يعج بالفوضى العارمة وتساءلت بيني وبين نفسي كيف يحدث هذا في بلد الحرمين الشريفين الذي يتبع الكتاب والسنة في كل حركاته وسكناته؟
ومثال آخر لوافد عربي معه إقامة نظامية سارية المفعول وهو يتعرض للضرب والإهانة والسحب من طرف شرطة الجوازات رغم أنه يحمل إقامة نظامية سارية المفعول؟ ووصف ذلك المقيم تجربته مع شرطة الجوازات بأنها مثل الجحيم على الأرض وأقسم ألا يعود للسعودية مرة أخرى حتى لأداء الحج أو العمرة!
ونحن نقرأ في الصحف يومياً أخباراً عن القبض على مخالفي أنظمة الإقامة، وهم بالمئات فأين يتم إسكان كل هؤلاء الناس؟ هل تُحترم آدميتهم وتُقدم لهم كل الخدمات الإنسانية الضرورية خصوصاً أنهم بشر مثلنا؟
وجاء في الصحف المحلية مؤخراً أنّ جوازات جدة ألقت القبض خلال شهر رمضان الحالي على (1500) متخلّف. وأنا أتساءل أين تم إسكان هذا العدد الكبير من الأجانب خاصة أن السجون وأماكن التوقيف ممتلئة على الآخر؟ هل احتُرمت آدميتهم في الإسكان أو أنه جرى التعامل معهم على أساس أنهم بهائم لا يحسون ولا يفهمون؟
وهذا يقودني إلى موضوع الإقامة حيث يشتكي الكثير من المقيمين بأنهم يدفعون مبالغ طائلة لكفلائهم للتجديد، أو عمل الخروج والعودة، أو الموافقة على نقل الكفالة أو غير ذلك من أمور. والغريب في الأمر أنّ الكفلاء يهددون مكفوليهم الأجانب بأنهم سيبلغون عنهم الجوازات إن لم يدفعوا!
وهذا موضوع مُعقّد وشائك. ونحن دائماً نلقي باللوم على الأجانب دون أنْ ننظر إلى الأسباب الحقيقية للاحتقان الذي يشعر به الأجانب المقيمون بيننا، ولقد عرفت شخصياً قصصاً يندى لها الجبين من تعامل الكفلاء مع مكفوليهم الأجانب حيث يقوم الكفيل عادة بالاحتفاظ بجواز مكفوله، ثم بعد فترة يبلغ عنه بالتغييب عن العمل والهروب وذلك حتى لا يعطيه حقوق ما بعد الخدمة متناسياً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه. ولقد عانى الأجانب ليس لذنب اقترفوه لكن بسبب سوء الحظّ الذي أوقعهم مع كفلاء من هذه الشاكلة أساؤوا لأنظمة الإقامة وأساؤوا بالتالي إلى سمعة المملكة وشعبها الكريم.
لقد طالبت أصوات كثيرة، سواء على مستوى الأفراد أو المنظّمات بإلغاء نظام الكفيل واستبداله بنظام أكثر عدالة وإنسانية لكن لم يحدث أي شيء حتى الآن.
ومن قصص تعنّت الكفلاء التي آلمتني قصة الكفيل الذي رفض سفر مكفوله التركي إلى تركيا لتلقي العزاء في والدته، والطبيب الهندي الذي احتفظ به كفيله رهينة لمدة عامين، وستسمعون العجب إذا قمنا بتأسيس موقع على الإنترنت وطلبنا من الأجانب أن يحكوا معاناتهم مع الكفلاء. وفي غمرة الهجوم على السعودية في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م كان هؤلاء الأجانب سيكونون خير مدافعين عنّا إن نحن أحسنّا معاملتهم، وكانوا سيعملون سفراء لنا بدلاً من أن ينضموا إلى الأصوات التي تشتمنا في الغرب.
ويعاني الكثير أيضاً من انعدام العدالة في المحاكم العمّالية التي تستمر لعدة سنوات لتحكم في قضية (هائفة)!!وأثناء فترة المحاكمة سواء في المحاكم المختصة أو مكاتب العمل، كيف يعيش الأجانب؟ إنهم يعيشون على إحسان أقربائهم أو يأتون على كل مدخراتهم ويغرقون في الديون.
وبرغم كلّ هذه الصور الظلامية إلا أنني متفائل بوجود منظمات حقوق الإنسان وبأن لنا ملكاً اسمه ملك الإنسانية وأننا صرنا الآن نناقش مثل هذه الأمور علناً.
وبهذه المناسبة أطلب من هيئات ومنظّمات حقوق الإنسان السعودية أن تقوم بزيارات تفقدية لمراكز الترحيل في المدن الكبيرة والصغيرة وأنْ تعدَّ تقاريرها المحايدة والشفافة للسلطات المسؤولة حتى تتم محاكمة كل من ينتهك حقوق الإنسان. كما أطلب من الأدباء، وكتاب الرأي، والصحفيين والإعلاميين تناول هذا الموضوع الذي بدأ يعطي صورة قبيحة عنا في الخارج.
ولعل أول شيء يجب أن تعمله السلطات المختصة هو اتخاذ كل ما من شأنه أن يقلل من معاناة الموقوفين الأجانب. بما يحفظ لهم كرامتهم وإنسانيتهم.أما في موضوع جازان، فيجب أن يكون التحقيق شاملاً ويجب معاقبة كل من تسبب في وفاة الإثيوبيين الخمسة. كما أنني على يقين وثقة في حكمة وعدالة أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر وبأنه سيولي هذا الموضوع أهمية كبرى بحيث لا تقع أحداث مشابهة في المستقبل.