الإنسان ليس شريرا بطبعه ولا خيرا بطبعه بل لديه الاستعداد ليكون جميلا وخيرا، أو قبيحا وشريرا بناء على الظروف والسياق المحيط به تلخيص مكثف – قد يبدو مخلا - للمأزق الذي تواجهه المجتمعات التي لم تتنبه لتأثيرات العولمة وما يمكن أن تحدثه من اهتزازات أخلاقية/ اجتماعية. أمم الشرق النابهة من الصينيين واليابانيين، وبدرجة أقل دول ما كان يعرف بـالنمور الآسيوية، مع دول الغرب في المقدمة طبعا، التفت للمسألة منذ أكثر من عقدين، وأسهمت مؤسساتها العلمية والأكاديمية في تقديم دراسات، شاملة كل التفاصيل لما يمكن أن يكونه العالم مع الألفية الثالثة. أمتنا ظلت غارقة في اهتمامات خارج سياق الوعي البشري، واللحظة الزمنية!
في كتابه الصغير حجما والهائل جوهرا ومعني (التربية الأخلاقية في زمن العولمة) تناول أستاذ التربية المشارك بجامعة أم القرى محمد عيسى فهيم، ما تواجهه البشرية في زمن العولمة من تحديات كبرى على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والفكرية والأخلاقية، لافتا إلى أن هذه التحديات المتشابكة والمعقدة لا يقتصر حلها على جانب دون الآخر وتحتاج إلى تكاتف وتعاون المجتمع البشري بكل فئاته لمواجهتها والبحث عن حلول لها، ولعل التصدي للمشكلات الأخلاقية هو الخطوة الأولى وبداية الطريق نحو حل الأزمات الحضارية التي تؤرق البشرية.
لعل واحدة من مآزق مجتمعات عربية، هشاشة البنى المعرفية التي تتقاطع مع الهوية، كمنتج وبعد حضاري.
في لحظات صفاء ذهني وروحي يحدث أن تشاهد مجموعة من (الكليبات) التي بات ينتجها منذ سنوات هواة، تبثها شبكة الإنترنت.
ولكنك حين تتأمل جيدا تقع على كيف أدى غياب وجود حركة موسيقية حقيقية حرة ومستقلة ومبدعة تستطيع استثمار طاقات الفلكلور الشعبي واكتشاف جمالياته، إلى انصراف نحو هؤلاء الشباب ثقافات موسيقية أخرى خارج أطر ثقافتهم المحلية.
محاولات جميلة يبدعها جيل الديجتال، منتجا مجموعة كليبات لرقصات شعبية محلية لكنها تتناغم إيقاعيا وحركيا مع موسيقى شعوب أخرى. لقطات بديعة تعبر عن جيل فنان بالفطرة، ولكنه ممزق ما بين الانتماء لهويته والإعجاب بموسيقى الشعوب، لكنه لا يعرف فنونه الهائلة الممتدة من البحر إلى البحر، بل لم يكن وجدانه ومعرفته على غرار ما تفعل موسيقى وأغاني الشعوب كما يحدث مع الهنود، الذين انتشرت موسيقاهم عبر السينما.
مثال بسيط، على إفرازات العولمة، يدعوك لتأمل التجربة اليابانية، التي حرصت على أن تتعاطى مع كل منتج عالمي الطابع وفقا لثقافتها وهويتها اليابانية.
عندي صديق مشبع بالثقافة الموسيقية دائما ما يلفت انتباهي إلى أن في الفلكلور المحلي السعودي طاقات ومناطق بكر عديدة وهائلة لم تكتشف موسيقيا حتى الآن، في ظل انشغالنا بالترهات.
trawri@alwatan.com.sa