الفلل والشقق المعدة للتمليك ينطبق عليها المثل الذي يقول: 'خلاخل والبلاء من الداخل'، فهي جميلة في شكلها الخارجي، وتشطيب ألوانها الداخلية، ولكنها تعاني من رداءة أساساتها، وهذا فيه غش واضح للمشتري

ظهر في السنوات القليلة الماضية اتجاه حديث في مجال الاقتصاد العقاري، وهذا الاتجاه يركز على بناء شقق، وفلل على مساحات صغيرة ومن ثم عرضها للبيع، وهذا ما يعرف بشقق، أو فلل التمليك، وفي هذه الأيام لا يكاد يخلو أي شارع من شوارعنا من وجود لوحة دعائية لشقق، أو لفلل تمليك، كذلك هناك حملة إعلانية مكثفة في الصحف المحلية حيال هذا الموضوع، وواقع الأمر أن من دخل في هذا المشروع في بداياته واسستثمر فيه طبق نظام كسب ثقة الزبائن في أثناء تنفيذ الوحدات السكنية المعدة للتمليك حتى يبني سمعته في السوق العقاري، ويصبح مشهورا في هذا المجال، وبناء سمعة إيجابية في مجال فلل وشقق التمليك يتطلب من المستثمر اختيار موقع ممتاز للبناء عليه، وتنفيذ هذه الوحدات بأعلى المواصفات، ويتم استكمال عمليات التشطيب بمهنية عالية، وعند البيع يحدد المستثمر السعر الذي يريده، وكان هناك إقبال كبير على شراء هذه الوحدات من قبل الأفراد غير القادرين على شراء أرض وبنائها، وذلك من خلال حصولهم على قروض من البنوك، وبعد التمكن من السمعة يتم تنفيذ الأعمال المستقبلية بأقل تكلفة، ولا تتوافر في الوحدات الجديدة مواصفات الجودة لأي بناء سكني.
وكان الأقبال على شراء شقق وفلل التمليك في بداية ظهورها كبيرا جدا حتى إن بعضها يتم بيعه قبل بداية التشطيب، ونظرا لأن هذا النشاط يحقق أرباحا كبيرة للمستثمرين فيه وقد وصلت نسبة الأرباح في بعض الحالات إلى 100%، وهذه المكاسب شجعت كثيرا من الأفراد لتشكيل شراكات للاستثمار في هذا المجال، وهؤلاء الذين بدؤوا الاستثمار في شقق، وفلل التمليك لا يملكون الخبرات التي يتطلبها البناء، والتشطيب، ولكنهم شكلوا هذه الشراكة وجمعوا مبالغ لتنفيذ شقق، وفلل لبيعها لأنها تمثل لهم مكاسب كبيرة، وفي أغلب هذه الحالات يتم البناء بأقل تكلفة، ولا يتم تنفيذ المخططات المعتمدة من الأمانات، أو البلديات بشكل حقيقي، ولا يصل تنفيذ هذه الوحدات السكنية الحد الأدنى من المواصفات المطلوبة والمعتمدة في المخططات لها؛ حيث يتم اختصار التكلفة بأكبر قدر ممكن من حيث كميات حديد التسليح التي يتم اختصارها بشكل كبير، وكميات الأسمنت التي يتم تقليصها بهدف التوفير، كما أن الأدوات التي يتم استخدامها في التمديدات الكهربائية، أو الصحية يتم الاعتماد على أنواع رخيصة جدا، وفي المقابل يتم الاهتمام بشكل كبير بالدهانات ويتم اختيار ألوان جميلة ويتم تشطيب الدهانات وفق آخر الصيحات في عالم الدهانات، والألوان، ويتم التركيز على الأعمال الجبسية بحيث يتم عمل الأسقف المستعارة بأشكال، ونماذج جميلة، والتشطيبات من الخارج يتم اختيار أنواع جيدة من المواد الحديثة، أو الحجر، أو الرخام، وكل هذه التشطيبات الشكلية الجميلة تهدف إلى إغراء الزبائن، وتعطيهم الانطباع الجيد والموثوقية بالمستثمرين، ومن يشاهد هذه الفلل، أو الشقق وشكلها، وإخراجها، وألوانها يعتقد أن جميع إجراءات البناء، والمواد المستخدمة فيها، ومواد التشطيب الظاهرة، وغير الظاهرة للعيان كانت وفق المعايير، والمواصفات المخطط لها في المخططات الهندسية المعتمدة من الجهات الرسمية، وهذا غير الواقع في أغلب هذه الوحدات.
وحقيقة فإن أكثر هذه الفلل والشقق المعدة للتمليك ينطبق عليها المثل الذي يقول: خلاخل والبلاء من الداخل، فهي جميلة في شكلها الخارجي، وتشطيب ألوانها الداخلية، ولكنها تعاني من الداخل من رداءة أساساتها، والمواد التي تم توظيفها داخليا ولا يمكن رؤيتها بشكل مباشر، وهذا فيه غش واضح للمشتري، كل هذه العوامل تؤثر بدرجة كبيرة على العمر الافتراضي لهذه الوحدات السكنية، حيث عمرها يكون أقصر من العمر المتوقع، كما أن شقق، وفلل التمليك تتطلب صيانة بصفة مستمرة، وصيانتها مكلفة جدا لأنها تتطلب أعمالاً، وتدخلات أساسية في كثير من الجوانب مثل أعمال الكهرباء، والسباكة، وأعمال البلاط، وهذه المشكلات التي تعاني منها هذه الوحدات نتيجة حتمية لدخول كثير من المستثمرين غير المؤهلين في هذا المجال الذين همهم الأول والأخير هو الحصول على أكبر قدر من المكاسب بأقل تكلفة، كما أن هذا نتيجة لغياب المتابعة المستمرة من جهات الاختصاص في أثناء مراحل التنفيذ المختلفة لهذه الوحدات، وهنا أرى أن يكون هناك تنظيم للمستثمرين في هذا المجال، وأن يقتصر تنفيذها على المؤسسات، والشركات المؤهلة، والمتخصصة في مجال البناء، والتعمير، وأن يتم تحديد مواصفات هندسية لهذه الوحدات، وتتم متابعة مراحل التنفيذ من قبل شركات أو مؤسسات محايدة لكي نضمن أن هذه الوحدات السكنية يتوافر بها على الأقل الحد الأدنى من مواصفات البناء السليمة، والمناسبة للسكن.