عندما قال الله تعالى، في كتابه الكريم: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت، كان يدعو الإنسان إلى التدبر الفكري والبصري والعقلاني، في هذا المخلوق، ليصل في النهاية، إلى عظمة الإبل كمخلوق، وبالتالي الوصول إلى عظمة من أوجد هذا المخلوق، سبحانه جلّ في علاه، ولكنّ ما فعلته وتفعله القنوات الفضائية، في هذا المخلوق الأليف الظريف، شوّه الإبل، وشوّه مفهوم التدبّر في الآية الكريمة.
تخيلوا، عشرات الفضائيات، لا شغل لها يوميا، وعلى مدار الساعة والدقيقة والثانية، إلاّ عرض ما يُسمى بالمنقيّات، ولا يشغل ذهنها الإعلامي اليومي، إلا عرض صورة واحدة، بكاميرا واحدة، وكادر واحد، وهو: مجموعة نياق منفلتة في صحراء، تحفّها سيارات متنوعة من يمينها ويسارها وأمامها وخلفها، ومجموعة كبيرة من الأوادم، يتراقصون، من حولها، بشكل مضحك، وفي خلفية هذا المشهد اليومي كلّه، صوت أحد المنشدين، منشدا بقصيدة تتحدث عن المنقيّة تلك، وعن صاحبها الشهم الهُمام، الذي لم تلد مثله نساء الأرض، وقبيلته التي لم يمر على التاريخ مثلها، ولولاها لما وصل الإنسان إلى اختراع الحاسب الآلي، ولما قاده عقله إلى اكتشاف تخصيب اليورانيوم، وكل هذا، من خلال قصائد مدح مجانية، لا شعر فيها، ولا فكر، وإنما قصائد استعراضية، لمالك المنقيّة، وقبيلته، ونياقه، وسيّاراته، وهياطه الفضائي والأرض.
هذا ما تعرضه تلك الفضائيات في واجهة الشاشة، وأما ما تعرضه في شريطها أسفل الشاشة، وأعلاها، فليس سوى هياط مُشاهدين، يتنافسون إما في مدح صاحب المنقية وقبيلته، وإما في الانتقاص من منافسيه، من ملاك المنقيات، من القبائل الأخرى.
أيضا، لا ننسى الأخبار التي تعرضها تلك القنوات عن بيع النياق، وعن أسعارها، التي تتجاوز الملايين، في مشهد يُضحك علينا، أمم الأرض، ونحن الوحيدون، الذين لا نضحك من حالنا هذه، ولا نملك أن نضحك ممن يضحكون منّا، وعلينا، لأننا لا نملك إلاّ شاشات تتقافز فيها الإبل والأوادم والعقول.
الفضاء، في قنوات الساحة والمرقاب والصحراء وغيرهن، تحوّل إلى ناقة، كنتيجة بديهية للفقر الفكري الإعلامي، مقابل الثراء المادي المستنوق، والمُتمهيط، من الهياط طبعا.