ليس لدينا مختصون في وضع المناهج، ولا بيوت خبرة متخصصة في هذا الجانب، كما أن الأكاديمي المختص مجرد باحث وليس مؤلفا ومصمما ومخرجا للمنهج التعليمي

تحدثنا عن الهدف الأساس من التعليم، وعن السياسة والمرجعية للتعليم، وعن لغة التعليم، ويأتي دور التخطيط للتعليم بعد أن وضعنا الأسس التي يقوم عليها التعليم في بلادنا؛ فمن البديهي أن يكون من أهم أهداف التعليم العام توفير التعليم للجميع، وبكافة الطرق والوسائل المتاحة، ورفع كفاءة وقدرات ومهارات ومعلومات ومعارف الطلاب في مدارسنا، ثم ربط المدرسة بالمجتمع وبالمؤسسات الوطنية بهدف إدماج الطلاب والطالبات في مؤسسات المجتمع، بالإضافة إلى محو الأمية في الدولة، ولأن تحقيق هذه الغايات يتطلب توفير الإمكانات المادية والبشرية وجب أن نحدد ما هو متوافر وما نحتاج إليه في المراحل القادمة.
لقد توافر المعلمون والمعلمات عبر عدة عقود ولكنهم غير مؤهلين، وإعادة تأهيلهم مسألة مؤرقة ومزعجة للوزارة لأنها لا تملك المال لإعادة تأهيلهم، ولا يوجد لديها المؤسسات التي تسهم في تأهيلهم، وخاصة بعد القرار الفاشل بدمج كليات المعلمين في الجامعات، حيث فقدت وزارة التربية أهم المؤسسات لتأهيل وتدريب معلميها، وأصبحت عالة على الجامعات التي لا تلتفت إليها كثيرا لانشغالها ببرامجها وخططها الدراسية التي لا تقل بعضها سوءا عن التعليم العام، وسوف يستمر تراجع المعلمين في المدارس في جميع التخصصات لعدم التدريب والتأهيل المستمر. فضلا عن أن خريجي الجامعات مع من سبقهم من كليات المعلمين والتربية وغيرها من التخصصات ليسو مؤهلين بما فيه الكفاية للنهوض بالتعليم، نتيجة الفجوة بين وزارة التربية والجامعات، بالإضافة إلى عدم وجود إدارة تعليمية مؤهلة من المدرسة حتى أعلى السلطات تعمل على النهوض بالتعليم.
ولا يمكن معالجة هذه المشكلة إلا بعودة كليات المعلمين إلى ما كانت عليه وربطها باحتياجات وزارة التربية وتطوير برامجها، كما أن غياب المعايير والتوظيف الذي يؤمن الدخل والاستقرار للمعلمين والمعلمات يعد واحدا من أسباب تراخي الكوادر التدريسية في المدارس، ليس هذا فحسب بل إن من بين التحديات المستمرة تأليف المناهج وتطويرها؛ حيث يتم وضع المناهج من قبل المؤلفين الذين يعيشون خارج العصر، وهناك ترجمة للكتب الدراسية بالمليارات من دور النشر العالمية لا تصلح لفاطمة ومحمد، ولكنها تصلح لديفد ونانسي، حتى وإن كانت علمية، فليس الاختلاف على المصطلحات والمعارف والحقائق العلمية، ولكن الاختلاف يتم على المنهجية والمرجعية والفلسفة التي تقدم بها تلك العلوم، لأن هناك علاقة بين النظم التعليمية وغيرها من النظم التي تدار بها الدول؛ وبالتالي يتم تصميم التعليم لدعم تلك النظم وتعزيزها، وإلا لكان التعليم في واد والنظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها في واد آخر.
ليس لدينا مختصون في وضع المناهج، ولا بيوت خبرة متخصصة في هذا الجانب، كما أن الأكاديمي المختص مجرد باحث وليس مؤلفا ومصمما ومخرجا للمنهج التعليمي.
هناك خلل كبير في بناء المناهج وفي أهدافها ومحتواها وكيفية بنائها وتأليفها وتصميمها وإخراجها واختبارها ومراجعتها وتحديثها بشكل مستمر، وهناك غياب كبير للكفايات التعليمية ودفاتر المواصفات الدقيقة التي تبنى عليها مناهجنا ومقرراتنا حتى نعرف ونحدد الكم والنوع المطلوب لكل موضوع ومقرر وصف ومرحلة دراسية، وكيف يمكن وضع خارطة لربط المناهج ببعضها في جميع السنوات والمراحل الدراسية لتتكامل في صياغة وتشكيل العقول التي نطمح من خلال التعليم إلى تشكيلها.
ولأن المشكلات التعليمية معقدة ومرتبطة بعدد من المؤسسات والوزارات التي تسببت في تعقيد عمل الوزارة، غير أن وزارة التربية وحدها تغرق في المشكلات الإدارية أكثر من انشغالها بالعملية التعليمية نتيجة تضخم طاقمها الإداري إلى درجة غير معقولة، وأكثرهم لا دور لهم ولا وظيفة سوى شغل مواقع إدارية ليس لها تأثير مباشر على العملية التعليمية التي هي أساس عمل الوزارة ومدارسها؛ ولهذا نحن لا نعرف ماذا يحصل في داخل الصف ولا المدرسة بالشكل الذي يجب أن نعرف.
لقد تركت الوزارة المسؤولية ملقاة على عاتق مدير ومديرة المدرسة، وفي الوقت نفسه يلقي هؤلاء المديرين والمديرات المسؤولية على المعلمين والمعلمات الذين يحملون الطالب والطالبة والأسرة والمجتمع مسؤولية فشل التعليم في تحقيق تغيير نوعي يعود بالفائدة على الطلاب والطالبات والمجتمع والدولة، ولهذا تجب مراجعة كيف تتم عملية تسلسل المسؤوليات من رأس الهرم في الوزارة حتى آخر فرد في المدرسة.
لقد تحولت بعض المدارس الحكومية إلى ملكية خاصة لبعض المديرين والمديرات، مما أفسد وضع المدارس، وكان يجب أن تخضع المدارس لحركة تنقل مستمرة، لأن الركود يؤدي للفساد، وأيضا يجب أن يخضع المديرون والمديرات للتدريب المستمر.
هؤلاء بعضهم غير مؤهل للإدارة لعدة أسباب، قد تكون علمية أو مهنية أو غيرها، وينعكس ذلك سلبا على كيفية إدارة المدارس وتوجيه العاملين فيها.
ولا تنتهي المشكلات عند حدود الكوادر البشرية ولكن المباني المدرسية ـ وللأسف الشديد ـ أكثرها لا يصلح لأنها غير مؤهلة للتعليم، وخاصة الحكومية التي لا تراعي احتياجات الطلاب والطالبات غير الصفية مثل النشاطات والترفيه والثقافة والرياضة، نعم الرياضة وصحة الطلاب والطالبات، فليست الرياضة كرة قدم أو طائرة، ولكنها جزء من المهام والمسؤوليات التربوية، فبناء العقل والجسد والروح هو من أهم أولويات التعليم.
معظم المدارس لا توجد فيها ملاعب ولا صالات أنشطة، وبعضها بلا معامل ولا مختبرات ولا دورات مياه كافية ولا مطاعم ولا ولا ولا.
مدراسنا عبارة عن ثكنات عسكرية تفتقر للكثير من أدوات وتقنيات التعليم التي يجب أن تتوافر لطلابنا وطالباتنا.
النشاطات غير الصفية ضعيفة وهزيلة وتؤدي لهروب الطلاب من المدارس واستغنائهم عنها بما يؤثر على تكوينهم وتعليمهم وتربيتهم.
هناك الكثير من النواقص في مدارسنا التي لم تؤخذ بعين الاعتبار مقارنة بالخير الكبير الذي منّ الله به على هذه البلاد.