نسمع عن الأولمبياد العلمي، ونسمع عن مؤسسات تهتم بالموهوبين، وهذا أمر يفتخر به كل فرد منا، بل نطالب بتوسعة هذه المشاريع لتشمل أعدادا أكبر، وأن تغطي مساحات أكبر من أرض الوطن، ولكن من سيدخل سوق العمل وبحاجة إلى احتكاك وخبرة هم السواد الأعظم من أبنائنا وليس فقط النخبة. ماذا قدمنا لهم من برامج تدريبية تؤهلهم، ليس فقط على خوض غمار سوق العمل بل أيضا اختيار المسار الذي يجدون أنفسهم فيه بحيث يمنحهم الدافعية للبحث عن المعلومة والخبرة والتعمق بالاختصاص الذي تم اختياره؟
نعتقد ـ ومخطئون في اعتقادنا هذا ـ بأن من يبدع هم فقط من ينتمون لشريحة الموهوبين، أي من تم التعرف على مواهبهم بطريق الصدفة أو من خلال الاختبارات التحصيلية. مع أن داخل كل تلميذ تكمن موهبة ما، وما علينا سوى تقديم المساعدة؛ كي يتمكن هذا التلميذ من التعرف عليها، وبالطبع لن يكون ذلك عن طريق الاختبارات التحصيلية أو المسابقات الثقافية التي تتم أحيانا بين مدارس الحي أو المدينة. ما نريده أكبر من ذلك وأعمق.
تلاميذنا وطلابنا هم نتاج عصر المعلومات والتكنولوجيا، وقد لا يسعصي عليهم تشغيل أي برنامج أو الدخول إلى أي موقع، ولكن من دون توجيه ومساعدة، فإن ما يتحصلون عليه لن يكون سوى القشور، مقاطع من هنا وهناك، معلومات غير مترابطة، يتم المرور عليها حسب ظهورها وانتشارها بينهم، بمعنى أن غالبيتها ترفيهية.. كيف لنا أن نساعدهم على استخدام هذه المهارات وتطويعها للتمكن من تحديد أطر مسارات المستقبل، وفي الوقت نفسه يسهل عليهم تذوق عالم سوق العمل من خلال الخبرة وليس نظريا، والأهم نستخرج منهم ما لم يخطر على بالنا أنهم قادرون عليه؛ حلول ابتكارية لمشاكل تواجهنا اليوم كمجتمع محلي بل أيضا إقليمي وعالمي؟
أولا: الإيمان بأنهم قادرون على ذلك، وبأن داخل هذه العقول الغضة يكمن الحل لكثير من المشاكل والتحديات، ثانيا: التفكير بكيفية استخراج هذه النوعية من الإبداعات والابتكارات دون أن يتدخل الأساتذة، والذي يحصل أحيانا كي لا نقول غالبا، بحيث يتم عمل معظم أجزاء المشروع ويسهم الطالب في جزئيات بسيطة، ومن ثم يقدم باسمه؛ كي تحصل المدرسة أو المدينة على الجائزة! ثالثا: إيجاد الطريقة لاشتراك أكبر عدد من التلاميذ لإعطاء الأغلبية الفرصة بالمشاركة.
لا تحتاج المسألة لإعادة اختراع الذرة، كل ما هنالك أننا نبدأ وعلى مستوى جميع المدارس الخاصة والعامة، بالخطوة الأولى؛ الطلب بأن يقدم طلبة كل مدرسة قائمة بالتحديات التي تواجه مجتمعهم المحلي، ولا يتم وضع أي شروط أو قيود، ويتم الاختيار بناء على تصويت من قبل جميع الطلبة، ثم تأتي المرحلة الثانية بتكوين فرق في كل مدرسة، للبحث ودراسة وتحليل الفرضيات، ثم تقديم الحلول المقترحة بعد أن يتم تجربتها على نطاق المجتمع المحلي للمدرسة إن أمكن، المهم أن تتحول المدراس في حصص النشاط إلى خلايا نحل تعمل من أجل هدف واحد، ونقضي بهذا على استغلال الحصص في أمور بعيدة كل البعد عن الهدف الأساس من تخصيص هذه الحصص، ثم تأتي المرحلة الثالثة، وهي تحديد أفضل المواضيع من خلال استفتاء يتم عن طريق مشاركة الإعلام المحلي، وبهذا يتم ضمان تفاعل ليس فقط أولياء الأمور، بل المجتمع المحلي متضمنا سوق العمل، والفرق التي تتحصل على النسب الأعلى من التصويت تنتقل إلى المشاركة في مهرجان الابتكار لطلبة المدارس، الذي يكون قد حدد المواضيع والتحديات الإقليمية والعالمية من قبل مختصين يختارونها من توصيات الدراسات والمؤتمرات، ويطلب من كل فريق أن يتقدم بأفضل الحلول.
والآن ما الدافع الذي سيجعل الطلبة والتلاميذ يشاركون، ومن خلفهم مدارسهم؟ الجائزة المعنوية التي ستقدم على مستوى الدولة، إضافة طبعا للجائزة المالية القيمة، والتنسيق مع دول أخرى بحيث تسافر الفرق الفائزة لعرض مشاريعها في المدن حيث تجرى مثل هذه المسابقات، ولو كبداية على المستوى الإقليمي، ثم تدريجيا نلتحق بالمحافل الدولية المختصة.
لنستعرض سويا بعض المواضيع أو التحديات التي تواجه مجتمعنا المحلي: البيئة، المرور، البطالة، المناهج، الفقر، السكن، الزراعة، تخطيط الطرق، كبيرة عليهم؟ صعبة؟ خارج نطاق قدراتهم الفكرية؟ أقول لكم أعيدوا أنتم التفكير؛ لأن أمثالهم في دول أخرى استطاعوا أن يتفاعلوا مع هذه المواضيع، ويخرجوا بحلول أذهلت المختصين في مجالات عدة! قادرون.. نعم قادرون، كل ما علينا أن نشحذ الهمم ونحرك العقول، وأضمن لكم بأنكم بإذن الله تعالى ستقفون مندهشين أمام حلول ابتكارية لم يتوصل إليها المختصون في كثير من المؤتمرات والندوات وورشات العمل.. ولكن قبل ذلك كله، نكون قد أخرجنا الطلبة والتلاميذ من داخل أسوار المدرسة إلى عالمهم، حيث يجب أن يكونوا.. إلى الحياة قلب التجربة وروحها.. وهنا يتم تحقيق الهدف الرئيس من التجربة.. ربط المعرفة بالواقع.