إن مسار التقدم في تشكيل هوية البشر اليوم مقصود ولو لم نكن واعين له. إن هذا المسار يستدرج كل إمكاناتنا وغرائزنا للخروج، ويستدرج العقل الباطن بكل تراكماته ليخرج إلى حيز الفعل المباشر في كل أفعال وتصرفات ونمط الحياة. فالقاعدة تقول إنك تستطيع أن تحقق كل شيء من خلال الوصول إلى قوة عقلك الباطن التي لست في حاجة إلى اكتسابها لأنك تمتلكها بالفعل، فكل الأفعال والتجارب والأحداث والظروف التي تمر بها حاليا هى عبارة عن تنفيذ واستجابة عقلك الباطن لأفكارك التي تقتنع وتؤمن بها والمستقرة في عقلك الواعي، من هنا يتشكل الوعي ويتربى الجميع والأبناء الصغار على كل ما يبث في وعيهم.
المبادئ تتشكل وأنت في حالة اللاوعي؛ تلك تحدث أثناء مشاهدة البرامج الإعلامية، تحديدا مشاهدة الأخبار والأفلام والمسلسلات، وما يحدث أثناء المشاهدة ينقل إلى الوعي البديل، ما يجعل نشاط الدماغ كله يتم عن طريق الفص الأيمن للدماغ؛ تلك الحالة تدفع الجسم إلى إفراز مادة تسمى بيتا إندورفين؛ تأثير تلك المادة يعادل تأثير المخدر؛ أي تصبح في حالة تخدير لتقبل ما يفرض عليك، متمثلا في اختيار مثلك الأعلى وقيمك وأفكارك، وخاصة للمراهقين والأطفال مثل التعلق الشديد بمغن أو لاعب مشهور.
فمثلا الإعلام أخفى الحديث -متعمدا- عن الشخصيات العظيمة المؤثرة في تاريخ البشرية وركز على السطحيين ومجرمي القتل والدمار والحروب. ركز على المأساوية بدلا من الأمل أو التركيز على السلام وقيم المحبة، لذلك تفرض الكثير من القيم السلبية وتغيب القيم الإيجابية، وبالتالي غيابها سيؤدي إلى اضطراب المجتمع وضعف قدرته على الصمود والتحدي، وهذا هدف لا يغيب عن بال من يدركون أهمية استهداف العقل الباطن للناس من خلال البرامج الموجهة في هذا المجال، لنجد أن تعميم الكثير من مشاعر الإحباط في المجتمع أدى إلى فشل الإنسان في إشباع حاجاته الضرورية -بيولوجية كانت أم نفسية- وتكرار ذلك الفشل يؤدي إلى الشعور بالإحباط وهي حالة نفسية تستثير العدوان الذي عادة ما يوجه داخل الإنسان، حيث الرغبة في إيذاء الذات والعزلة والاكتئاب، أو نحو الخارج؛ أي إلى الآخرين، أشخاصاً كانوا أو مؤسسات، حيث الميل إلى التخريب المادي المباشر، مثل التجاوز على الممتلكات العامة والتخريب النفسي غير المباشر، مثل عدم الإخلاص في العمل، وتجنب تحمل المسؤولية، ووضع العراقيل.
ولمواجهة تلك الحرب الفكرية العقلية نحن بحاجة للوعي بهذا فعلا، وبحاجة إلى منظومة عاقلة مخلصة واعية منتمية تدرك هذا الخطر وأساليب علاجه الحقيقية لأنه أكثر سلاح تدميري فعلي.. والدليل: روح الانهزامية التي يستشعرها الكثيرون في الوقت الحالي، حتى أظهرت الضغوط أسوأ ما يحتمل حدوثه في عقل الفرد على مستوى الأسر أو المجتمعات.