يخطئ من يكرر الكلام- مثلي - عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، لأن هناك من القضايا الأساسية ما يغنينا عن أن نشغل أذهاننا بها
جملة من الأخطاء المقصودة وغير المقصودة قد تقع من بعض من يحتفي منا بذكرياته الدينية والدنيوية، وجملة من مثلها قد تقع من إخوانهم الذين لا يملكون من الظن ـ وللأسف ـ إلا سيئه.. ولوضع النقاط على الحروف، أضرب مثالاً واحداً على ذلك، ألا وهو ما نمر به في هذا الشهر، وفي هذه الليلة من ذكرى مولده ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
(بالفم الصريح) أذكر جملة بسيطة من الأخطاء المشهورة، التي لو تداركها المجتمع لسلم المحتفون منه، وتحسَّن ظن الفريق الآخر: يخطئ من يقول بسنية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في ليلة مخصوصة، بل أقول إن من اعتقد ذلك فقد ابتدع في الدين بلا شك ولا ريب.. يخطئ كذلك من يظن أنه ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يخرج إلى الدنيا بجسده الطاهر الشريف، بل إن هذا من الظن الباطل الذي لا أصل له عند الثقات من العلماء؛ وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلى وأكمل وأجل من أن يُقال في حقه إنه يخرج من قبره، ويحضر بجسده، وهذا افتراء محض، وفيه من الجراءة والوقاحة والقباحة ما لا يصدر إلا من مبغض حاقد أو جاهل معاند.. يخطئ من يظن أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يثيب المحتفي والمجتهد في محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ويخطئ من يظن أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يثيب المبتدع في هذه المسألة، كالمعتقد بأنها ذكرى ينبغي أن تعامل معاملة العيد المشروع.
يقول الشيخ ابن تيمية عن هذا الأمر في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم): ما يحدثه بعض الناس ـ إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى - عليه السلام -، وإما محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتعظيماً؛ الله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي - صلى الله عليه وسلم ـ عيداً.... يخطئ من لا يعرف أسس كيفية التعامل مع الناس عند اختلاف الآراء وتباينها؛ فيعنف، ويفسق، ويكفر دون بصيرة أو هدى.. الشيخ ابن تيمية يضيف كذلك وهو يتمم كلامه عن نفس الموضوع، بعد تبيينه أن السلف لم يفعلوه، يقول: عليك هنا بأدبين: أحدهما: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطناً وظاهراً، في خاصتك وخاصة من يطيعك. واعرف المعروف وأَنْكِر المنكر. الثاني ـ وهو مهم ـ : أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان، فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه، ولكن إذا كان في البدعة من الخير، فعوِّض عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان، إذ النفوس لا تترك شيئاً إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيراً إلا إلى مثله أو إلى خير منه..
وأخيرا.. يخطئ من يكرر الكلام ـ مثلي ـ عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، لأن هناك من كم القضايا الأساسية ما يغنينا عن أن نشغل أذهاننا بها، وليس بهذه القضية الجانبية التي صار الكلام عنها أشبه ما يكون بالحوليات السنوية المملة.. ملأ الله أوقاتنا بعلم ينفع، وجهل لا يضر.