أهم الدروس من حادثة 'لمى' هي إنشاء جهة لمواجهة الكوارث، والمبرر هنا استمرار قصور الإمكانات لدى الدفاع المدني في مواجهة بعض الحوادث والكوارث الطبيعية
بعد ثمانية عشر يوماً من البحث؛ تم العثور على أجزاء من جثة الطفلة لمى الروقي التي سقطت في إحدى الآبار بمنطقة تبوك، وشغلت قضيتها الرأي العام السعودي طوال هذه الفترة، إلا أننا لا بد أن نقف أمام مرآة الواقع؛ لنستخلص الدروس المستفادة، من هذه التجربة، لنستعين بها فنعين الوطن على رسم استراتيجية لمواجهة ما يطرأ في المستقبل من أحداث!
من الدروس المستفادة هو ضرورة النظر بعين المنطق إلى فشل الإعلام الحكومي المتمثل أولاً في إدارات الإعلام، إذ إن الجهة المخولة بالنطق للرأي العام (إدارة الدفاع المدني بمنطقة تبوك) قد صمتتْ فترة طويلة، دون تقديم أي تصريحات مفيدة، وتالياً فشل قنوات التلفزيون السعودي في التعاطي مع الحادثة بتغطيتها عبرها وتقديمها - ومثيلاتها - إلى الرأي العام بشكل يحول دون انتشار الشائعات والتكهنات والأساطير أيضا! بينما نشطت وسائل إعلامية مستقلة، بما فيها أقنية التواصل الاجتماعي، في التغطية الإعلامية، على الرغم من الشوائب المعلوماتية التي صاحبتها.
هذا الأمر أربك الرأي العام، وأتاح الفرصة للتكهنات والشائعات، لا بل وصل الأمر إلى محاولة تحويل الرأي العام ناحية (العالم السفلي) مثلما حدث الأسبوع الماضي في إحدى القنوات الفضائية الدينية التي ظهر فيها أحد مفسري الرؤى ليقول بالفم الممتلئ إن الطفلة لمى ليست في البئر إنما في أرض ذات نخل بناء على تفسيره لرؤيا رآها أحد المتصلين، وهذا أقلّ ما يوصف به أنه ضرب من الخيال، لكن ثقافتنا ما زالت تثق بـالمنتج الذي يحمل الصبغة الدينية، مهما كانت نسبة نقائه والحقيقة فيه مع الأسف!
إلا أننا لم نعد في زمن الصمت، إنما نحن في زمن الكلام، لكنه الكلام الدقيق المبني على تقديم الحقيقة بلا تزييف ولا تضخيم، وهنا يأتي دور إدارات ووسائل الإعلام في سرعة بث المعلومة الصحيحة لتحاول البحث عن الحقيقة المطمئنة مهما كانت، وفي الوقت ذاته تلفت النظر إلى مكامن الخلل لمعالجتها.
ومن ضمن الدروس المفيدة في قضية الطفلة لمى أن المجتمع السعودي أصبح مجتمعا تقنيا إن جاز التعبير، وبالتالي مجتمع تواصلي، وهذا ما يبعث على ضرورة مواكبة أجهزة ووسائل الإعلام لهذا التطور والتقدم التقني التواصلي الذي يعيشه المجتمع السعودي، فقد كان التركيز في الأسبوعين الماضيين على قضايا مشابهة حدثت في الداخل والخارج، وكان الهدف هو تقييم العمل وبالتالي قيمة الإنسان؛ الأمر الذي كشف ضعف الإمكانات لدى جهة مهمة في بلادنا وهي الدفاع المدني.
وبالتالي فإن أهم الدروس هي إنشاء جهة لمواجهة الكوارث، وهذا الاقتراح تطرقت إليه منذ 2009 في برنامج تلفزيوني عرّج حينها على زلزال العيص بمحافظة ينبع، ثم قدمته ثانية في هذه الصحيفة بمقال بعنوان نحو مواجهة الكوارث خلال عام 2011، وها أنا ذا أكرر الدعوة التي أطلقتها مرة أخرى؛ والمبرر هنا استمرار قصور الإمكانات لدى الدفاع المدني في مواجهة بعض الحوادث والكوارث الطبيعية؛ ما يجعل الجهات المسؤولة أمام فرصة مهمة لتحديث وتطوير هذا الجهاز الحكومي الذي يتولى الدفاع عن أرواح وممتلكات المواطنين داخلياً، وقد كشفت هذه الحادثة عن الاستعانة بالمتطوعين، وهذا على الرغم من كونه أمراً إيجابياً، إلا أنه يكشف جانباً مهماً في نقص الإمكانات والتدريب لدى الدفاع المدني وأفراده، حيث يفترض أن تكون أولى خطوات التطوير إتاحة الفرص التدريبية للأفراد وصفّ الضباط الذين يباشرون الحالات مباشرة في الميدان، فالدورات التدريبية (الخارجية خصوصاً) تكاد أن تكون - مع شديد الأسف - خاصة بالضباط فقط، حيث سنكون - نحن المواطنون - أكثر المستفيدين لو ذهب الأفراد الذين يباشرون الحوادث الميدانية لاكتساب هذه الخبرات من تلك الدول.. لكي ينقذوا أرواحنا.