صحيح أن الكلام حول إخراج الجن من الإنسان أشغل الناس لفترات طويلة؛ لكنه في نفس الوقت أفاد كثيرا ممن ادعى الرقية وطرد الجان. فدرّ على هؤلاء أموالا خيالية لم يحلموا بها لقاء الجلسات مع الجن والحديث معهم، خاصة من أتعاب ضرب النساء الملموسات! وبذلك عشنا طوال سنوات مشهدا وحيدا لم ينسدل فيه الستار على هذه التجارة حتى خرج من يطالب بتأسيس مستشفى لهذا الضرب! وبعد كل ذلك، يأتي الشيخ على العمري ليقلب المشهد رأسا على عقب، فتعلن صافرته انتهاء اللعبة بعد أن أضاف عليها نكهة الإنكار، فيعلن ببساطة: لا وجود لـمس الجن للإنسان، وأن ممارسته له كانت خطأ.
لا أريد الحديث عن حقيقة المس، ولكن أريد تسجيل ثلاث ملاحظات، الأولى: الاعتراف بوجود علماء أفاضل سخروا علمهم لوجه الله ولم يتاجروا بالرقية. الثانية: أن تحول الرقية الشرعية ومس الجن إلى تجارة يعد ترويجا للخرافة؛ بسبب طمع من يدعون العلم بالدين، إضافة إلى سوء تعاملهم مع النساء. فقد سجلت جهات عدلية على بعضهم مخالفات شرعية. الثالثة: بغض النظر عن عدم الاتفاق مع كلام الشيخ العمري ـ وهو محل الاحترام ـ إلا أنه يعد شهادة على وجود أخطاء لعل من أبسطها إيهام المرضى بتلبسهم بالجن، وأن الجن يتكلم على ألسنتهم، غير ضرب النساء والاسترزاق منهن على مدى سنوات.
الآن لم تعد هذه الأخطاء خافية، وبالتالي لا يجب السكوت عليها، إذ لا بد من حماية الناس من الذين أساؤوا للرقية الشرعية. ولا بد من محاسبة من حولوها إلى تجارة. وبما أن الأخطاء قد كُشفت، ترى هل يحق للمتضررين المطالبة بالتعويض من الذين أشبعوهم ضربا وباعوهم الأعشاب والمياه من مدعي المشيخة؟