تكفل 'أرامكو' بالكثير من المشاريع حتى وصلنا مؤخراً لطلب دعمها للدفاع المدني بـ'حفار' لانتشال لمى؛ يحملني للمثل الصيني الذي يقول 'علمني الصيد ولا تعطني سمكة'

رغم أن الملابس التي كان يرتديها طبيعية للغاية؛ وبل أساسية في أنظمة وإجراءات السلامة داخل الشركة، ورغم أنه الزي ذاته الذي كان يرتديه جميع الموظفين؛ إلا أن الدهشة اعتلت ملامح الكثير من الموظفين في إحدى محطات توليد الكهرباء وهم يشاهدون رئيس شركتهم الجديد مرتدياً الزي ذاته الذي يرتدونه أثناء زيارته التفقدية، وبالعكس تماماً من المسؤولين السابقين الذين كانوا يصرون أثناء زياراتهم التفقدية على اعتمار خوذة الوقاية فوق الشماغ، ويلبسون الثوب التقليدي في مخالفة علنية لأساسيات السلامة التي هم من وقعوا عليها، وقاموا بتعميمها على جميع موظفي الشركة.
بالنسبة لي شخصياً لم يكن تصرفه مدهشاً؛ لمعرفتي السابقة أن الرئيس الجديد هو أحد أبناء شركة أرامكو التي علًمت كافة موظفيها وعودتهم على ثقافة احترام القوانين دون استثناء، بل إنني حينما سمعت بخبر تعيينه رئيساً تنفيذياً لشركة الكهرباء جزمت بأنه سيصاب بصدمة عكسية بعد انتقاله إليها من أرامكو؛ كالصدمة التي يصاب بها العرب العائدون إلى أوطانهم بعد هجرة طويلة في أوروبا وأميركا.
التزام الرئيس الجديد بالزي الرسمي للعمل كان حصاداً للثقافة التي زرعتها شركة أرامكو بروحه، والتي لا تغفل أبداً، لأنها تعمل بمفهوم ضمان الجودة، وتعتمد في أعمالها على وضع خطوط دفاع متتالية لضمان تطبيق الجودة بكل دقة، وهذه الخطوط تبدأ بالجودة في التخطيط ثم ضبط الجودة خلال التنفيذ، ثم الرقابة على الجودة والإشراف على تطبيقها، واتباع أرامكو لأعلى معايير الجودة العالمية وإنجازاتها التي شهدناها خلال السنوات الأخيرة؛ وذلك من خلال تنفيذها لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية كاوست بثول، ومدينة الملك عبدالله الرياضية في جدة على سبيل المثال؛ هو ما جعلنا نتفاءل بأن انتشال الطفلة لمى أصبح وشيكاً بعد استعانة الدفاع المدني بآليات حفر ذات قدرات وتقنيات متقدمة من أرامكو؛ ويأتي تفاؤلنا هذا لثقتنا البالغة بمدى قدرة أرامكو على تنفيذ أي مشروع مهما بلغ حجمه بأوقات قياسية، ودون الإخلال بأي معيار من معايير الجودة.
إن استعانة الدفاع المدني بالأرامكويين في عمليات انتشال لمى جعلتني أتخيل الخطوات التي ستقوم بها الشركة لو أننا أسندنا لها مهمة حل مشكلة الآبار المكشوفة، والتي تكررت حوادث السقوط بها خلال الأعوام الأخيرة، وتخيلت بأنها خلال فترة وجيزة ووفق أعلى معايير التخطيط والجودة ستحصر كافة الآبار بعد أن تفتح كافة وسائل التواصل مع المواطنين وإشراكهم في الإبلاغ عن الآبار المكشوفة المنتشرة في أرجاء مملكتنا الشاسعة، وأتخيلنا ما أن تخبو من صدورنا فرحة تكفل أرامكو بهذه المهمة حتى تبشرنا بأنه تم إغلاق كافة الآبار، ومن ثم تبدأ في نشر الوعي بمخاطرها، والطريقة المثلى لحفرها بشكل آمن حتى لا نجد بئراً إلا وقد حظيت بالكثير من لمسات الأرامكويين في الجودة، ولكنني حين أركن للواقع بعيداً عن الخيال أتمنى لو تقوم إدارة الدفاع المدني بالعمل الجاد على عدم تكرار حادثة لمى، ولكنني سرعان ما أصاب بخيبة أمل حينما أتذكر أن حادثة لمى ليست سوى مشهد متكرر لما حصل في الثاني من يناير للعام 2011 للفتاة الثلاثينية منيرة التي سقطت في بئر أثناء تنزهها هي وعائلتها في أحد الأماكن العامة في أم الدوم بمحافظة الطائف، واستغرق الدفاع المدني 12 يوما لانتشالها من غياهب الجب؛ وبتكلفة فاقت المليون ريال، ورغم مطالبات المواطنين والإعلاميين للدفاع المدني في ذلك الحين بالعمل على عدم تكرار حادثة منيرة، وبأن يتم ردم كافة الآبار المكشوفة وإغلاقها إلا أن الدفاع المدني أهمل لجم أفواه الآبار الجائعة حتى أعلنت جبروتها بالتهام الطفلة لمى دون أن تلفظها، وحينها وجدنا الدفاع المدني يعود لنقطة الصفر التي لم يتجاوزها من الأساس، ووجدناه في قضية لمى كما هو في قضية منيرة بل إنه أصبح أكثر عجزاً.
إن تكفل أرامكو بالكثير من المشاريع وحتى وصلنا مؤخراً لطلب دعمها للدفاع المدني بـحفار؛ يحملني للمثل الصيني الذي يقول علمني الصيد ولا تعطني سمكة، فلو علمتنا أرامكو خلطتي سحرها وسرها لرأينا نتائج مدهشة على الوزارات والمنظمات والشركات الأخرى، ولأثارت إعجابنا بمهارتها في الصيد، ولمنحتنا خيرات البحار التي جعنا على شواطئها طويلاً دون أن نستطيع اصطياد سمكة نسد بها رمق جوعها وجوعنا. نجاح أرامكو يكمن في إيمانها بأهمية الجودة، فلو قامت بنقل تجربتها الناجحة مع الجودة لكافة القطاعات الأخرى لأصبح لدينا أكثر من أرامكو. أن نبادر للاستفادة من تجربتها الناجحة مع الجودة خير لنا من أن نطلب منها سمكة كلما شعرنا بالجوع، فصنعة في اليد أمان من الفقر.
يقول العالم ألبرت أينشتاين: إن المشكلات الهامة التي نواجهها لا يمكن حلها بنفس التفكير الذي كنا عليه عندما خلقنا هذه المشكلات.