استيقظت صباح أمس 'الجمعة' على انفجار وسط بيروت، مثلما أيضا نهضت من قيلولة 'الأربعاء' على انفجار هائل في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية المصرية.

استيقظت صباح أمس الجمعة على انفجار وسط بيروت، مثلما أيضا نهضت من قيلولة الأربعاء على انفجار هائل في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية المصرية. كم هو كئيب جدا ومحبط أن تذهب في هذا العالم العربي المتخلف إلى سرير النوم، أو تستيقظ منه لأن عداد القتلى وأصوات القنابل والسيارات المفخخة يعمل عندما تذهب لتنام، وتأتيك الأخبار عندما تستيقظ.
في عوالمك العربية البائسة لا يبقى جهاز التلفزيون أداة تسلية وأنباء سارة وساعة ترفيه، بقدر ما يكون هذا التلفزيون العربي حوارات ومناظرات من: نقل مشاهد الجثث، إلى تبرير سافر للقتل.
كرهت في تلفزيوني المنزلي تلطخه، لا بالدماء، بل توشحه باللونين الأصفر والأسود من شعارات حزب الله، وأصابع رابعة العدوية، وأنا ـ هنا ـ لا أرمي بالتهمة التي لم تثبت بعد على أي من الألوان، فكلنا شركاء في هذا المسلسل الدموي من القتل، وكل ألوان خريطتنا الكئيبة تتحد باسم الخريف العربي على اللون الأحمر.
كنت ـ صدفة ـ أتابع تقريرا طبيا على cnn، وفي بشارة من طبيبين للإنسانية: بريطاني وأميركي، بإمكان تنشيط خلايا البنكرياس، فيما سيكون فتحا لملايين البشر المصابين بداء السكري، لكن التقرير الإنساني يقطع هذه البشارة لملاحقة أخبار بيروت العاجلة.
الغرب يزف البشرى للإنسانية، وشرقنا الكاذب البغيض يقتل أشهر وزير صحة في تاريخ لبنان كله. تحول التلفزيون في منزلي إلى عداد للقتلى، مثلما تحول جهاز الريموت بيدي إلى مسألة خيارات بين ألوان الدم الحمراء، من القاني إلى الزهري، وليس انتهاء بالوردي أو البنفسجي.
وبكل صدق وصراحة، سأعود اليوم إلى كتابة جملة كنت كتبتها من قبل فأغضبت كثيرين: نحن اليوم بين الأمم لسنا خطرا على أنفسنا وحسب، بل خطر على العالم بأكمله، وهو لن يتركنا على هذه الحال، وقد يكون له ـ بصناعتنا لأنفسنا ـ جزء من الحق. نحن نبرهن بهذا الهيجان المخيف من الجثث والقنابل على خريطة بني يعرب أننا بين الأمم سقطة أخلاقية، أصبحت اليوم ـ بالبرهان ـ لا تستطيع إدارة نفسها، ولا حكم مجتمعاتها، فلا يأت أحد غدا ليقول: إنني أدعو إلى مرحلة استعمارية جديدة، تعيدنا إلى الصواب والرشد، وإلى عصر العلم وطريق المستقبل.
في العراق، لا يعرف الإنسان متى يموت ولماذا يقتل، وفي سورية لا يستطيع أن يخرج، وفي مصر لا يستطيع طالب الجامعة دخول قاعة الامتحان.
وهنا، انتهت مساحة المقال دون ذكر بقية الحل: والحل هو.... شيء من الوصاية على هذه الشعوب، لا الاستعمار، إنقاذا للعقل... وللقتل.