يكمن التحدي الأبرز أمام وزير التربية والتعليم في ترتيب الأولويات الأولية لملفين اثنين لا ثالث لهما في مشروع إصلاح وتطوير التعليم: هل يصنع العجلة قبل الماكينة أم يفعل العكس!! والعجلة والماكينة اللتان أقصدهما هما: جهاز الإدارة وجهاز المحتوى والمنهج. مشكلة التعليم الأساسية لدينا تكمن أولا في الإدارة ومن ثم المنهج.
يحتاج سمو الأمير الوزير أن يسعى إلى ثورة في عالم إدارة الوزارات ليست مسبوقة من قبل، وأمامه التحديات البيروقراطية، وأنظمة الخدمة المدنية التي لا تسمح بالمرونة.
يحتاج الأمير الوزير إلى أن يغربل نظام إدارة التعليم، قبل أن يكتب حرفا واحدا في تطوير المنهج. لا يمكن أن تكتب السطر الأول في تطوير منظومة التعليم إذا ما عرفنا أن ما يقرب من خمسين إدارة تعليمية أو مندوبية تعليم، تدار كلها من مبنى مركزي واحد في شارع الوزارة العاصمي. لا يمكن أبدا إدارة نصف مليون موظف دون روح الاستقلال، التي تقتل المركزية وتختصر كل قرارت تطوير التعليم في توقيع مركزي واحد. سآخذكم لمقاربة لفضح هذا الشرخ الإداري الفاضح في منظومة إدارة التعليم العام.
يعمل معالي وزير التعليم العالي ـ مثالا على إدارة منظومة ـ وتحت إشرافه المباشر ما لا يقل عن 30 وزيرا برتبة المعالي بميزات وصلاحيات مستقلة، وفي المقاربة الأكثر تحريا يعمل مدير جامعتي في عسير على إدارة ستين ألف طالب وطالبة بميزانية تصل للمليارات سنويا، وبعدد من الكفاءات بما لا يقل عن ألف أستاذ جامعي في شتى التخصصات. في المقابل يعمل مدير تعليم ذات المنطقة على إدارة 300 ألف طالب وطالبة في التعليم العام، بلا صلاحيات ودون ميزانية مفتوحة، ودون الحد الأدنى من الكفاءات والإمكانيات، ومع هذا نحاسبه إن لم ينجح. سآخذكم إلى المقاربة الثالثة: حين انضمت فرنسا إلى الاتحاد الأوروبي قبل ثلاثة عقود، اكتشفت أنها اسم ثانوي خلف ألمانيا وبريطانيا؛ بسبب مركزية الإدارة في نظام التعليم. حينها تم تقسيم الخريطة الفرنسية إلى ثماني مناطق، بصلاحيات وزارية كاملة محددة، تماما مثلما نفعل نحن مع التعليم العالي، ولا نفعله أيضا في التعليم العام. وهنا سأعود للسطر الأول من المقال: نحن لن نطالب أبدا خالد الفيصل بتعديل المنهج والمادة والمحتوى، بقدر ما نطلب منه معالجة الوعاء: أن يصنع العجلة قبل المحرك، وأن يحدث ثورته الإدارية في مجال إدارة التعليم، أن يكون لدينا 13 من صاحب المعالي مدير عام التعليم بكل منطقة بصلاحياته الكامله، وكل شيء يسمح له بهذا الخيال.... غدا نكمل