علي حسن السعدني
هناك شبه إجماع من قبل العديد من خبراء العلوم السياسية في الغرب بشأن توصيف ما تشهده مصر حالياً، غير أن نقطة الجدل الرئيسية فيما بينهم تظهر في تقييم ما اعتبروه انقلاباً عسكرياً، وأثره على مستقبل الديموقراطية في مصر. فمن جهة، تساءل الكاتب جوشوا كيتينج، في مقاله على موقع مجلة السياسة الخارجية عما إذا كان من الممكن أن يكون الانقلاب العسكري ديموقراطيًّا. واستشهد الكاتب بمجموعة من معايير قام بصياغتها الخبير القانوني أوزان فارول التي بمقتضاها يتصف الانقلاب بالديموقراطية. يأتي على قمة هذه المعايير أن يكون هذا الانقلاب ضد نظام سلطوي أو شمولي، وأن يكون هناك رفض شعبي وغضب تجاهه، كما يجب أن يكون الهدف الرئيسي من الانقلاب هو تحقيق مطالب الشعب الذي تظاهر ضد النظام، وليس رغبة من الجيش للحكم، وأن يكون هذا النظام قد رفض ترك السلطة طواعية نزولا على إرادة الشعب، ويضاف إلى ذلك ضرورة قيام المؤسسة العسكرية بإجراء انتخابات حرة نزيهة خلال فترة قصيرة من الانقلاب، يتم فيها نقل السلطة إلى قوى مدنية منتخبة. واعتبر كيتينج أن كافة هذه الشروط تنطبق على الحالة المصرية، وهو ما دفعه إلى وصف ما حدث في مصر بأنه انقلاب ديموقراطي ضد نظام سلطوي. وأشار إلى مجموعة من الانقلابات الديموقراطية الأخرى حول العالم التي تتشابه مع الحالة المصرية، كالانقلاب العسكري في تركيا سنة 1960 ضد سياسات النظام لقمع المعارضة والإعلام، والانقلاب في البرتغال سنة 1974 بعد أن تدهورت الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ودخولها في حروب استنزفت قوتها. ومن ثمَّ، خلص كيتينج إلى أن الانقلابات في العصر الحديث قد تُنتج مخرجات ديموقراطية بعكس حالات الانقلابات العسكرية التقليدية في فترة الحرب الباردة. فليس من المنطقي - من وجهة نظره - أن يكون التظاهر الدموي ضد الحاكم للثورة عليه مشروعًا، وتدخل الجيش لإزاحة النظام نيابة عن الشعب غير مشروع. وإن كان الكاتب لم يستبعد احتمالية أن ينتج عن الانقلاب العسكري تدخل مستمر من قبل الجيش في العملية السياسية، في ظل وجود سلطة منتخبة، مبررًا ذلك بإجراء بعض التصحيحات التي قد تؤثر على ديموقراطية النظام.
وفي نفس السياق؛ اتفق الكاتب ديفيد روثكوبف، في مقاله على موقع مجلة السياسة الخارجية والكاتب ديفيد بروكس، في صحيفة نيويورك تايمز على ضرورة التركيز على مضمون الديموقراطية بدلا من الاهتمام المفرط بالجوانب الإجرائية لها. فليس بالانتخابات وحدها يتسم النظام بالديموقراطية. ففي الكثير من الدول، كإيران وفنزويلا وروسيا، أتت الآليات الديموقراطية بأنظمة حكم استخدمت الانتخابات كوسيلة لإساءة استخدام السلطة، وتطبيق سياسات استبدادية وقمعية. كما اعتبر روثكوبف أن عدد المصريين الذين خرجوا في مظاهرات 30 يونيو ضد مرسي يفوق عدد من صوتوا له في الانتخابات، وهو ما يراه تعبيرًا ديموقراطيًّا عن الرأي. ولكن على الجانب الآخر، اعترض مارك لينش في مقالته على موقع مجلة السياسة الخارجية على الآراء التي تقول بإمكانية بناء ديموقراطية بعد انقلاب عسكري، واعتبر أن من الخطأ الاحتفال بالانقلابات العسكرية التي تقضي على سلطة منتخبة، بغض النظر عن إخفاقاتها أو افتقادها للتأييد الشعبي الكامل. فمن وجهة نظر لينش، ما حدث في مصر هو فشل كامل لإدارة العملية السياسية. فالأعداد التي خرجت في المظاهرات المناهضة للنظام، لو كانت قد وجهت طاقتها للتصويت ضد الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية، كان من الممكن أن تحقق توازنًا في السلطات.
وعن مستقبل الإسلام السياسي في مصر والعالم تساءل توماس فريدمان في مقالته بعنوان الثورة المصرية: الجزء الثاني في صحيفة نيويورك تايمز عما إذا كان سقوط مرسي وخروج جماعة الإخوان من السلطة هو إشارة إلى نهاية الإسلام السياسي في مصر والعالم. ويرى فريدمان أن ما حدث في مصر لا بد وأن يوضع في سياق تعامل شعوب المنطقة مع تيارات الإسلام السياسي الأخرى، كمظاهرات الشباب العلماني في تركيا ضد حزب العدالة والتنمية، وانتخاب روحاني في إيران الذي يعد الأكثر وسطية من بين المرشحين الستة لرئاسة الجمهورية، وإجبار الناخبين حزب النهضة التونسي على التسوية مع حزبين علمانيين لكتابة الدستور. في حين اعتبر فريدمان أنه لا يمكن القطع بسقوط الإسلام السياسي في الفترة الحالية، إلا أن الواقع يثبت أن القوى السياسية الوسطية المناهضة للإسلام السياسي أصبحت تتمتع بقواعد شعبية واسعة تستطيع من خلالها الفوز على تيارات الإسلام السياسي.
وحول تصورات إدارة المرحلة الانتقالية أكد أغلب الخبراء الدوليين على مجموعة من النقاط الواجب توافرها حتى تتم إدارة المرحلة الانتقالية إدارة سليمة تفضي إلى نظام ديموقراطي. وتتمثل أهم هذه النقاط في الآتي: 1- التوافق الوطني: فلقد أكد المحللون أن مصر لن تستطيع المضي قدمًا إلا من خلال الوصول إلى توافق وطني ما بين كافة القوى السياسية. ولقد أشار ناثن براون (في مقالته على موقع مجلة الشؤون الخارجية إلى أهمية التوافق الوطني حتى لا تفضي العملية الانتقالية إلى قواعد غير متفق عليها للعمل السياسي. ودلل على ذلك بالنظر إلى عملية كتابة الدستور في عهد مرسي، وكيف أنها لم تكن شاملة لكافة القوى والتيارات، ومن ثم أسفرت عن دستور لا يحظى بتأييد تلك القوى. هذه المهمة سيصعب على الرئيس الموقت عدلي منصور، أن يقوم بها في ظل الاستقطاب الذي يشهده المجتمع المصري في الفترة الحالية. وأشار لينش أيضًا إلى معضلة التوصل إلى توافق وطني في مصر، خاصة وأن الجيش قد أخفق سابقًا في إدارة البلاد بعد رحيل مبارك، والمعارضة لم تثبت قدرتها على الاتحاد من قبل في ظل غياب أجندة موحدة. كما تساءل فريدمان عما إذا كانت قوى المعارضة قادرة على الاتحاد لإدارة المرحلة الانتقالية، أم أن اتفاقها يقف عند حد المطالبة برحيل مرسي؟. 2- إدماج جماعة الإخوان المسلمين في العملية السياسية: أكد كافة الخبراء على أن الديموقراطية لن تتحقق في مصر إلا إذا تمت إعادة دمج الإخوان المسلمين في العملية السياسية.
حيث اعتبر روبرت فيسك في مقالته في صحيفة الإندبندنت أن جماعة الإخوان لن تنتهي بسقوط مرسي، فهي تتمتع بدرجة عالية من التنظيم لا تزال تفتقدها القوى السياسية الأخرى. ولكن تساءل توماس فريدمان، عن موقف الجيش من دخول الإخوان للعملية السياسية من جديد، وما إذا كان سيسمح بمشاركتهم بعد تطورات الأحداث في مصر، أم أنه سيحول دون تحقيق ذلك؟.
أما عن دور المؤسسة العسكرية ووفائها بعهودها: فرأى روجر كوهين في مقالته في صحيفة نيويورك تايمز أن المحك في الانتقال بمصر نحو الديموقراطية ونجاح عملية التحول الديموقراطي ستتوقف بالأساس على دور المؤسسة العسكرية، والتزامها بالابتعاد عن العمل السياسي، أو التأثير على فواعله، وذلك إلى جانب الدعوة إلى انتخابات رئاسية في أقرب وقت ممكن حتى تنتقل السلطة بالكامل إلى رئيس مدني منتخب. وأكد فريدمان أيضًا على ضرورة أن تتسم المؤسسة العسكرية بالمرونة في إدارة المرحلة الانتقالية، بحيث تقبل مقترحات الإصلاح السياسي والاقتصادي، وألا ينصب اهتمامها على حماية مصالحها سواء السياسية أو الاقتصادية.