هذه الجملة البائسة بعاليه، لم يعد لها مكان في عصرنا الحاضر.. انتهى زمنها منذ أن فتحت التقنية كل أبواب الدنيا.. ضغطة زر صغيرة كافية بأن تجعلك شمسا وقمرا بل وفضاء يرى ويسمع ويقرأ كل شيء.
أيضا، هذه الجملة لا تنفي المسؤولية، ولا تنجي من عقاب الإهمال.. فطالما أنك توليت الأمر، فعليك أن تكون شمسا شارقة، وإلا فالزم بيتك، ولا تتصدى لمهمة لست قادرا على القيام بها.
القصة المشهورة عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كافية للاستدلال؛ حين وجد امرأة فقيرة ومعها صبية يتثاغون من الجوع، وأمامها قدر منصوب على النار، وحين سألها عن القدر، قالت له وهي لا تعلم بأنه عمر أمير المؤمنين: ماء أسكتهم به، والله بيننا وبين عمر. فقال لها: يرحمكم الله، وما يدري عمر بكم؟ فقالت مقولتها الخالدة يتولى أمرنا ويغفل عنا!
لم تنته القصة هنا، بل بدأت فصلا جديدا، وعمر يهرول حاملا على ظهره الأكل للمرأة وصغارها ـ اعترافا بمسؤوليته التي لم تسقطها عدم معرفته ـ ومباشرته بنفسه تفاصيل الطبخ وإطعام الأطفال، والبقاء معهم حتى تأكد من نومهم بطمأنينة. وحينها قالت له المرأة كنتَ أوْلى بهذا الأمر من أمير المؤمنين.
حسنا، ربما أتفهم أحيانا اعتذار بعض المسؤولين عن تقصيرهم بعدم العلم.. ربما أغلقوا الأبواب والنوافذ وتويتر وهنا بالطبع لم ولن يعلموا عن أي شيء في الخارج.. ولكن تخيلوا معي لو صدرت هذه الكلمة من رجل يجلس على كرسي جمعية خيرية.. كما فعل أحدهم قبل أيام عبر تصريح منشور في صحيفة عكاظ.
العمل الخيري يفترض به روح المبادرة والرحمة التي تدفع الإنسان للبحث والتقصي عن المحتاجين.. هو ليس وظيفة رسمية تحتمل الإهمال والاتكالية والتطنيش.
اليوم، تنتشر في بلادنا مئات الجمعيات الخيرية، وعلى الرغم من ذلك هناك آلاف الأسر المحتاجة.. اسألوا الشؤون الاجتماعية وجمعياتها عن السبب، ستجدون من يكرر ذات الجملة!