بعد طول تردد ألقت الولايات المتحدة بثقلها في المشهد السياسي المصري، وسعت عبر وسائل عديدة إلى نزع فتيل الأزمة ومساعدة طرفي النزاع على التوصل إلى تسوية سياسية تعيد الأمن والاستقرار إلى ربوع مصر. وبعد أن اتسم موقف واشنطن بالغموض مما حدث في الثالث من يوليو الماضي عندما عزل الجيش الرئيس السابق محمد مرسي، وعزفت عن وصف ما حدث بأنه انقلاب عسكري أو ثورة تكميلية، ارتفعت عدة أصوات داخل الإدارة الأميركية وخارجها تنادي بأن يكون للبيت الأبيض موقف واضح ودور ريادي. وكانت أولى بوادر الفعل الأميركي تصريح وزير الخارجية جون كيري خلال زيارته لباكستان أواخر الشهر الماضي الذي قال فيه إن الجيش المصري تدخل لاستعادة الديمقراطية، وأن خطوته وتحركه أتيا استجابة لطلب ملايين المصريين ولم يكون خطوة من طرف واحد. وهو الموقف الذي أغضب جماعة الإخوان المسلمين وجعل أنصارها يخرجون في مسيرات هادرة تنديداً بتلك التصريحات، وربما كان ذلك هو السبب الذي جعل الوزير الأميركي يبادر في اليوم التالي لتصريحاته ليحث السلطة الجديدة على تنظيم انتخابات حرة وشفافة بأسرع فرصة.
وتوالت الخطوات الأميركية حيث وصل إلى القاهرة مساعد وزير الخارجية ويليام بيرنز في زيارة هدفت إلى مساعدة الطرفين على الوصول إلى حلول نهائية، وقام بيرنز فور وصوله بجولات مكوكية بين طرفي النزاع، حيث التقى معظم المسؤولين المصريين وبعض قادة الإخوان وعلى رأسهم نائب المرشد العام خيرت الشاطر. كما استعان في جهوده بمبعوث الاتحاد الأوروبي برناردو ليون ووزير الخارجية القطري خالد العطية ونظيره الإماراتي عبدالله بن زايد. وبالأمس وصل إلى القاهرة النائبان بالكونجرس جون ماكين وليندسى جراهام لإكمال جهود بيرنز. ومع أن الرئيس أوباما التقى بالنائبين قبيل توجههما إلى مصر، إلا أن المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني قال في تصريحات صحفية إنهما يمثلان نفسيهما ومجلسي الشيوخ والنواب خلال زيارتهما الحالية لمصر، وإنهما ليسا وسيطين من قبل الرئيس باراك أوباما أو الإدارة الأميركية. وأضاف خلال المؤتمر الصحفي للبيت الأبيض أول من أمس لا علم لدي أنهما وسيطان. وهما زعيمان في مجلس الشيوخ، في ما يتعلق بالسياسة الخارجية للحزب الجمهوري بشكل خاص، ولكن من المؤكد أنهما قد أجريا محادثة مع الرئيس أوباما ومع آخرين في فريق الأمن القومي للرئيس. وإذا كانت هذه الجهود مجرد جهود شخصية ومعالجات وقتية، إلا أن الاهتمام الكبير الذي توليه إدارة الرئيس أوباما بالشأن المصري يتجلى بصورة واضحة في اختيار الدبلوماسي المخضرم روبرت فورد كسفير لها في القاهرة ليخلف آن باترسون التي تردد في أوساط صناع القرار الأميركي أنها ستنتقل إلى وظيفة مرموقة بالخارجية. ومما يدعم الرأي القائل بأن تعيين فورد هو رسالة واضحة للجميع بأهمية الشأن المصري بالنسبة للأميركيين استناداً على مكانة مصر وموقعها الاستراتيجي وثقلها في المنطقة، هو أن ترشيح فورد أتى من الرئيس أوباما شخصياً وليس من وزارة الخارجية كما جرت العادة والعرف. وتقول المتحدثة باسم الخارجية ماري هارف إن أمام فورد مهمة جسيمة وكبيرة تتمثل في إصلاح صورة الولايات المتحدة وإقناع المصريين بأن أميركا شريك مستعد للعمل معهم لأجل إحلال السلام والاستقرار في المنطقة والتي تضررت كثيراً في أعين المصريين بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك.
وفي تصريحات صحفية قال أندرو ويس مستشار الرئيس السابق بيل كلينتون إن فورد بما يملكه من خبرة كبيرة في المنطقة العربية، وخبرات دبلوماسية متراكمة، قادر على القيام بمهمته على أكمل وجه، مشيراً إلى عمله سابقاً في كل من العراق والجزائر والبحرين وأخيراً سورية، حيث أتقن اللغة العربية وصار يتحدثها بطلاقة. كما سبق له العمل كملحق اقتصادي بسفارة القاهرة خلال الفترة من 88- 1991م. وإن كانت هناك من مآخذ يأخذها خصوم فورد عليه فهي أنه أخفق في القيام بدور ريادي ومؤثر عند اندلاع الثورة السورية، حيث تخلى عن مهامه الدبلوماسية وغلب عليه الطابع الأمني، وذلك بانحيازه الواضح والمعلن لجانب المعارضة، مما جعله في أكثر من موقف هدفاً مباشراً لقوات الرئيس الأسد لدرجة أن بعض الموالين للنظام هاجموا مبنى السفارة وحاولوا اقتحام منزل السفير الذي تصادف وقتها أن كان بالخارج.
فهل يستطيع فورد الذي يراهن على خبرته السابقة بالمنطقة أن يحقق ما عجز عنه أسلافه من السفراء، وينجح في تحقيق أهدافه في هذه الفترة العصيبة من تاريخ مصر، أم أن تربص المناوئين الذين رفضوا تعيينه بدعوى استناده على خلفية أمنية واستخبارية سيعيقه عن القيام بما هو مطلوب منه؟