كتبت وكتب الكثيرون عن منصة التواصل الإلكتروني الأشهر عالميا تويتر، محللين في حين محتواه ومهاجمين في حين آخر دوافع إنشاء الموقع، مرجعين الانفتاح الاجتماعي له، ومتهمينه في ذات الوقت أنه من تسبب في التفريق وتأجيج الأحقاد والعداوات بين مكونات المجتمع الواحد، وكذلك خلق الحساسيات بين الدول التي تجمعها الجغرافيا والدين والمصير المشترك.
اليوم سأنظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة، تلك التي أغرت الكثير وجعلتهم يقيمون أنفسهم بمقدار ما لديهم من أتباع، وهو المصطلح الذي يتفنن في استخدامه النرجسيون العاشقون لفكرة الشهرة وحب الناس لأعمالهم وأقوالهم، التي قد يصنفوها أنها من فصيلة أقوال ديكارت ونيتشه وابن رشد!
شراء المتابعين أمر معروف لدى معظم مستخدمي تويتر، إلا أن الصراع التنافسي اليوم أخذ منحى أكثر جدية وتنظيما، فقد لاحظت مثلا أن مجموعة من مغردي إحدى الدول الخليجية، أصبحت حساباتهم بين ليلة وضحاها موثقة رسميا، وهو الإجراء الذي يكفل لهم حماية مضمونة من شركة تويتر لحساباتهم من الاختراق، وتلقائيا تحولهم إلى شخصيات تويترية توازي في عالمنا المعاش الوزراء والفلاسفة وعلماء الماورائيات.
لا بد لنا هنا أن نعي حقيقتين: الأولى أن هناك شركات تسويق إلكتروني تعتمد في دخلها المالي على توثيق حسابات تويتر لمن أراد ذلك، مقابل مبالغ تتفاوت قيمتها ما بين 15 ألفا و20 ألف دولار أميركي. والثانية: أن توثيق الحسابات الشخصية ممكن أيضا بالمجان، إلا أن ذلك يتطلب خضوع المتقدم لشروط محددة، وفي أحيان كثيرة صعبة، يمكن بعدها توثيق الحسابات مجانا، وبالتالي تحويل الشخصية الموثقة إلى أيقونة تأثير.
إذا لا بد لنا هنا أن نسأل كيف توافق توثيق كل تلك الحسابات التابع لمواطنين من دولة واحدة، وذوي توجه سياسي متطابق تقريبا في وقت متقارب، علما أن شروط تويتر لا تنطبق على مجموعة كبيرة منهم، فهل تم توثيق كل تلك الأسماء بناء على دعم جهة عليا لها مصالح في دعم مجموعة من الأسماء التي ترى في أصحابها سفراء تويتريين لأجندتهم الفكرية والسياسية؟
مصداقية المغرد تكون على المحك، خصوصا عندما تبدأ الأسئلة المنطقية بالتداول سعيا منها لتفهم التغيرات الحاصلة لهوية المغرد أو مواقفه أو قناعاته الفكرية أو ممارساته التويترية، فلم يعد المتابع ساذجا كما كان الأمر في الماضي، ولم يعد المغرد قادرا على تمرير قيمته التأثيرية إلا بعد الخضوع لاختبار المراقبة والتمحيص اللذين يجريهما كل مغرد ومتابع يستخدم عقله لا قلبه في النظر للأمور.