المدينة المنورة: عبدالعزيز الحجوري

ما إن تطأ بقدميك المدينة المنورة إلا وتذكر المساجد التي تعد من حقب التاريخ الإسلامي والتي يأتيها الزائرون من شتى بقاع العالم للتعرف على معلم من معالم الإسلام، اذ يعد مسجد القبلتين ثالث هذه المساجد بعد المسجد النبوي ومسجد قباء.
ويشهد مسجد القبلتين توافد أعداد كبيرة من الزوار والمعتمرين على مدار العام، كونه أحد المعالم الإسلامية والحضارية، حيث يشهد ازدحاما كبيرا في شهر رمضان المبارك لما له من مكانة في التاريخ الإسلامي.
ويقع المسجد في منطقة بني سَلِمَهْ على هضاب حرة الوبرة في الطريق الشمالي الغربي للمدينة المنورة، وتحديداً على طريق خالد بن الوليد وهو قريب جداً من الدائري الثاني، طريق الملك عبدالله، من جهة الغرب، وتبلغ مساحته 3 آلاف و920 مترا مربعا وتعلوه قبتان: الأولى قطرها 8 أمتار، والثانية 7 أمتار، وارتفاع كل منهما 17 مترا.
ويذكر أن المسجد بني في بادئ الأمر بالطين واللبن وسقف بجذوع النخل، ثم تم تجديد بناء المسجد في عهد عمر بن عبدالعزيز، وجدد ثانية في عهد السلطان القانوني عام 950، وتم تطويره وتوسعته فأزيلت الرابية وأقيم مكانها مبنى جديد واسع يتألف من طابقين.
وشهد في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله - عام 1408، توسعة عمرانية كبيرة، ويتميز ببياضه الناصع الذي يبدو للزائر من بعيد، وبمناراته الباسقة وذات الجانب الجمالي المتميز.
وعن سبب تسميته بالقبلتين، يقول المؤرخ والباحث بتاريخ المدينة المنورة الدكتور تنيضب الفايدي: ورد في السيرة النبوية المطهرة، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - زار أم بشر بن البراءة بن معرور في موضع إقامة بني سلمة وهو المكان الذي بني فيه هذا المسجد، فصنعت له طعاماً، وحانت صلاة الظهر فصلى ركعتين ثم أمر أن يوجه إلى الكعبة، فاستدار إلى الكعبة واستقبل الميزاب فهي القبلة التي قال الله تعالى فيها: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وأضاف أن المسجد سمي بذلك مسجد القبلتين، وذلك لأن صلاة واحدة صلّي نصفها جهة بيت المقدس والنصف الآخر جهة البيت الحرام، فكان هذا الموضع نقطة التحول في القبلة نحو الكعبة.
وقال إنه: روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: بينما نحن في صلاة الصبح بقباء جاءنا رجل فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها، وكانت قبلة الناس إلى الشام، فاستداروا وتوجهوا إلى الكعبة.
وتابع قائلا: وقد أراد بنو سلمة - وهم يقطنون في جوار مسجد القبلتين - ترك هذا المكان والسكنى قرب المسجد النبوي الشريف فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعهم عن ذلك.
وذكر أنه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما - قال: خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم.