أبها: حسن آل عامر

رأى أن 'أدونيس' لا يختلف عن أي متطرف يفجر نفسه بحزام ناسف

على الرغم من أنه لم يصدر سوى مجموعتين قصصيتين هما ليلة خروج المنتظر وسيد واوي إلا أن القاص السعودي هاني حجي، بدأ فيهما وكأنه يسير على الجمر وهو يكشف بعض ممارسات الزيف الاجتماعي، ولكنه وبحرفية واضحة يحاول تجنب تأثير حرارة هذا الجمر بالسخرية اللاذعة، فهي على ما يبدو الماء الذي يرشه حجي في أجواء نصوصه لكي لا تحرقه أو تحرق أبطاله. وفي حواره مع الوطن يطالب حجي بصفته عمل كثيرا في مجال الصحافة الثقافية بما وصفه بـ بدل عدوى أمراض نفسية للمحررين الثقافيين في الصحافة المحلية.. فما خلفيات هذا الطلب؟
في مجموعتك القصصية الأخيرة سيد واوي واصلت ما بدأته في المجموعة السابقة ليلة خروج المنتظر من حيث الدخول في مناطق حساسة اجتماعيا كالتطرق لأصحاب المصالح الذين يلبسون عباءة التدين ..كيف استطعت التوفيق بين السخرية اللاذعة والبعد الفكري عند كتابة النص؟
هذه المجموعة، استكمالا للمجموعة السابقة ليلة خروج المنتظر في المضامين. وكان من المفترض أن تصدر بعد المجموعة الأولى. إلا أنها تأخرت أربع سنوات بسبب الناشرين. فصدرت في وقت أخرج بعض نصوصها من سياقه الزمني، التي كانت ستمثل الفترة التي صدرت فيها بواقعية أكثر، ترددت كثيرا في إصدارها بعد التأخر لكن رأيت أنها تظل شاهدة على مرحلة وفترة بكل معطياتها. وكما ذكرت في سؤالك تناولت المجموعة بعض الشخصيات المؤثرة في المجتمع ولا سيما في بيئة معينة ولفئة محددة مثلا شخصية (الملا) وهو كركتر مؤثر جدا في مجتمع الأحساء لكن حضوره في الأعمال الأدبية قليل جدا، رغم أن هذه الشخصية يمكن أن تثري الأعمال الأدبية للدور الذي تقوم به ولعلاقتها القوية بكافة شرائح المجتمع. وهي تأتي امتدادا لشخصيات المجموعة الأولى لكن تناولتها بطريقة ساخرة، لأن السخرية أكثر قدرة على التعبير وأكثر وجعا وإيلاما. وبالنسبة للشخصيات فلم تقتصر على التقليدية أو المتدينة -حسب تعبيرك-. سلطت أيضا المجموعة الضوء على بعض الشخصيات التي تدعي الحداثة في قصة (ملا حداثي) وهي تمارس نفس الدور الأبوي والوصاية وكل ما تنتقده على الصورة النمطية الأخرى رغم أنها تحاول ممارسة الدور الذي تقوم به بطريقة مغايرة وربما أكثر استغلالية بحكم الوعي الذي تملكه وتنقده لدى الآخر.
يبدو أنك في المجموعتين القصصيتين، كنت تسير على الجمر خصوصا في التطرق لبعض ممارسات المتدينين. بصراحة هل تخاف من ردة فعل بعض فئات المجتمع؟ وهل تلقيت أي لوم؟
اتفق معك أن الكتابة في مثل هذه المناطق تجعل الكاتب يعيش حالة قلق ويتعامل بحذر. ولكن لدي قناعة بأن لدينا موروثا وتاريخا ما يزال بحاجة للكتابة بشجاعة لكسر وتحطيم حاجز الخوف من الاقتراب لهذه المناطق. وأقصد الكتابة الواعية التي تجعل الكاتب يسير في غابة من الأشواك ليبحث فيها عن أجمل الورود. وفي رحلته قد تجرحه الأشواك لكن لذة اقتطاف الورود سينسيه ألم جروح الأشواك.
أما سؤالك عن الخوف من ردة الفعل، فأقول، حتما هناك حالة قلق وخوف وتردد، ولكن ليس من الفعل الكتابي أو الحالة الأدبية والإبداعية، القلق والخوف من أولئك المتطفلين الذين يريدون أن يقفزوا على سور الأدب ليشهروا خناجر وعصيا وسيوفا يقتلون بها الإبداع، القلق من أولئك الذين يعيشون في الأوهام ويريدون أن يدمروا الحياة من أجل هذه الأوهام، ومن الذين يريدون تحطيم المستقبل ليعيدوا بناء الماضي، القلق من الذين يجيزون لأنفسهم التسلل إلى نقاء وصفاء الأدب ليلوثوه بالكراهية والأحقاد ويشوهوا نصاعة إبداعه وجماله من أجل نرجسيتهم، القلق من أولئك الذين يريدون لعالمنا أن يعيش خارج الزمن.
في ظل الصراعات البينية في العالم العربي.. بصراحة، هل تعتقد أن الشباب المتعاطي مع الإبداع الجديد سيتجاوز تلك العقد المزمنة والتشنجات الطائفية أم أن الكثير منهم دخل في عمق لعبة الصراع –كما يقول- بعض المتابعين للوسط الثقافي؟
الأحداث التي يمر بها العالم العربي اختبار حقيقي لوعي النخب، ولكنهم مع الأسف انزلقوا في هذا الفخ. حتى الكبار ممن يدعون أنهم ينظرون لرؤى مغايرة لما هو سائد في الشارع أصبح تفكيرهم وحديثهم لا يختلف عن حديث وتفكير الإنسان البسيط في الشارع فما بالك بالشباب؟ ويمكن أن نسمي هذه المرحلة بمرحلة (سقوط الوعي العربي).. مثلا لا يختلف موقف أدونيس عن أي متطرف يفجر نفسه بحزام ناسف في الأبرياء، لكن لو حاولنا أن نبحث عن بؤرة نور ربما تصنع هذه الأحداث الدامية والمؤلمة على امتداد الوطن خارطة إبداع ووعي جديد، وتخرج أعمال أدبية مختلفة وستستفيد الذاكرة الإبداعية والأدبية من هذه التجربة لتنتج أدبا يستطيع أن يصنع وعيا ويخلق حالة سلام ومدينة إفلاطونية حالمة تخرجنا من وجع الفترة.
النص الديني بجميع مستوياته نص يحول إلى قداسة لدى معتنقيه، هل تعتقد أن توظيفه أدبيا ينطوي على مخاطرة من قبل الكاتب؟
يمكن توظيفه بدون أن يُمس مضمونه أو يشوه لأن له قداسته. ولا يمكن لأي كاتب في مجتمعات تقليدية ومحافظة المساس ليس بقداسة النصوص، بل حتى الشخصيات والمراحل التاريخية التي اكتست بطابع القداسة، لأن الكتابة في هذا الجانب تصبح خطرة جدا وتبعاتها على الكاتب أخطر.
ركضت كثيرا في ساحة الصحافة الثقافية.. لكن يبدو أن الملل أصابك..لماذا؟
ليس ركضاً بل استهلاكا وبالذات الصحافة الثقافية محرقة للإبداع والمبدعين. وكثير من المحررين الثقافيين كانوا مشاريع أدباء انتهوا في هذه المحرقة الصحافية وفي النهاية يكتشفون أنه لا توجد صحافة ثقافية.
المحرر الثقافي يتعامل مع أصعب طبقة في المجتمع ويكتشف أنه أصيب بالاكتئاب والإحباط وتسللت إليه كل الأمراض النفسية المعدية التي يعيشها الأدباء، ولذا أطالب بصرف بدل عدوى أمراض نفسية للمحررين الثقافيين..المحرر الثقافي، لا يوجد له مكان من الإعراب الإعلامي والنهاية إما أن يستريح ويريح أو يعود للكتابة الإبداعية.