من الفجر إلى الفجر، دقائق عصيبة، حَمّلها القاص عبد الرحمن السلطان، لسارده ليرويها بوجع مُرّ، وتساؤل أكثر مرارة، في قصته: يوم كفنٍ متحرك، يرصد حالة حياة عائلية، ضيّق الوالد فيها على ذاته، وعلى أفراد أسرته، حتى جعل حياتهم ضنكة، يبكي على بؤسهم لشدة ما فيها من بؤس، ويشبه الأب بالحارس الأمين على ماله الذي خاف أن ينفقه على ذاته قبل أهل بيته، ويصوّر حالة اختناقه.
بالرغم من فتح النافذة على مصراعيها والمروحة التي تعمل بأقصى طاقتها، إلا أن أمواجاً حارقة تسري في عروقي الضيقة.. ثم يسرد بشكل مبسّط دواخل البيت مع تداخل وصفي للزمان والشخوص، يصور الوجوه، يقرأ الأنفاس، وهي تتحين الفرصة للانقضاض على التركة.
الأنفاس تتلاهث، أنظار حادة تتقاطع، وأرواح هائمة تراقب الوضع.
التقاط ذكي أشار إليه سارده، دمعة أخي الأوسط هل هي على وفاة والدي، أم على زوال الامتيازات، كونه المدير التنفيذي لمؤسستنا الكبرى. يصور بذكاء ما يفعله المال، في داخل الأسرة، وتنكّرهم لروابط الدم، وتصوير والده وهو يرتدي ملابس الإحرام البيضاء، التي جعلت مونولوجه الداخلي يكسر قيد صمته صارخاً ومستغرباً: حَجَ ولم يعطِ كل ذي حق حقه!!..ألم يكن يشعر بثقل الكفن الذي يحمله..؟ لا أدري!!، ثم ينقلنا بحركة بانورامية ليصف غرفة والده التي لم يكن يحلم برؤيتها: قبرٌ حضاري، بشباك وباب وجهاز تكييف، رائحة الغرفة تنشر أطيافاً من قلقٍ بشعٍ ووحشي في آن واحد.
استطاع السلطان ببساطة صوره وواقعيتها أن يشد القارئ إلى نصوص مجموعته القصصية التي حملت عنوان: ودونها رماد يحترق ضمن سلسلة الكتاب الأول (7) الصادرة عن النادي الأدبي بالرياض.