قدره أن يكون في مهب الصراعات، فمن لبنان مرورا بدول أفريقية، فأفغانستان والعراق، قطع الأخضر الإبراهيمي سنوات عمره الـ79، متنقلا بين المناطق الأكثر التهاباً. ورغم نجاحه في كل ما مضى إلا أنه يصارع اليوم في سورية مهمة ليست بـالهينة بل يراها البعض مستحيلة، وقد تكتب قصة أول فشل لـالحكيم الأخضر عقب سنوات من النجاح والفلاح.
عام إلا قليل، منذ تعيين الأخضر الإبراهيمي مبعوثا عربيا ودوليا للأزمة السورية في 17 أغسطس الماضي، وحتى اللحظة لا تزال جهود الرجل الذي يقف على عتبات سن الثمانين تراوح مكانها في إحداث اختراق فعلي في جدار أزمة يقود زمامها نظام مجنون لم تفلح حكمة مبعوثها في تهدئة حدتها.
ومنذ وقت التعيين، حزم الإبراهيمي حقائبه وخبرته الممتدة لعقود في صراعات العالم مرتدياً نظارته الكبيرة، ومتنقلا بين نيويورك وباريس ولندن وجنيف ودمشق، وغيرها، في محاولة للتمهيد إلى حل سياسي ترتضيه كافة الأطراف على الأرض، إلا أنه كان يرتطم دوما بحالة كان الخيار العسكري شعارها منذ البداية.
من وجهة نظر الإبراهيمي، والذي كان آخر ما تولاه بعد تقاعده من العمل رسميا في منظمة الأمم المتحدة، رئاسة مجموعة من الحكماء المستقلين لتقديم توصيات حيال الأمن العالمي، فإن مشكلة العالم العربي تتمثل في تخلفه عن الغير على صعيد الأفراد والجماعات، ويرى بأن الفساد والظلم وفقدان العدالة والكرامة من شأنه أن يؤدي إلى حالة اضطراب لا محالة.
ولعل أهم العقد التي مرت عليه قبل تجديد مهمته كمبعوث للأزمة السورية، كان تصريحا فسر البعض مفاده أنه من المبكر الحديث عن تنحي بشار الأسد، وهو ما أدخل الرجل الحكيم في مواجهة مباشرة مع المجلس الوطني السوري، الذي طالبه بالتفسير، فما كان منه إلا الرد أن هناك من حور تصريحه عن سياقه.
ومقابل غضب المجلس الوطني السوري، لم يكن الأخضر بمعزل عن غضب نظام الأسد كذلك، حينما انتقد بوضوح خطاب بشار الأسد مطلع العام الجاري، مستبعدا أن يكون له أي دور في المرحلة الانتقالية، وهو ما قابلته حكومة الأسد باعتبار تصريحه انحيازا سافرا.
الإبراهيمي ساهم في نزع فتيل الحرب في لبنان أيام الحرب الأهلية، وكانت له إسهامات في حل مشاكل دول أفريقية عدة، وجال وصال بين أفغانستان بين عامي 1997 و1999 والأعوام 2001 حتى 2004 بعد الإطاحة بنظام طالبان، والعراق خلال الحرب الأميركية عليه، وهو أحد الحكماء في لجنة لفض نزاعات العالم بالأمم المتحدة، ولكنه حتى اللحظة لم يتمكن من إحداث شيء على الأرض يشي بتقدمه في مهمته، وظل على الدوام يعلق على التقارب الأميركي الروسي في الأزمة. ولأنها أزمة معقدة بكل المقاييس، فقد تردد الرجل الحكيم بقبول المهمة بعد استقالة سلفه كوفي عنان، الذي كان يشكي ويبكي من عدم تعاون الدول الكبرى معه، وهو ما كان يعني سلفا اعترافه بصعوبة حل الأزمة، التي تتداخل فيها رائحة المصالح الضيقة مع روائح دماء الشهداء الزكية التي ارتوت بها بلاد الشام.
الإبراهيمي، حكيم أخضر، أخذ على عاتقه منذ انضوائه للعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، مقاومة الصراعات القاتمة، فهل سيسجل لنفسه نجاحا آخر، أم أنه سيكتب أول فشل في مسيرة ملأى بالإنجازات؟.