في كل الديانات السماوية والحكم الروحية عبر العصور، لم يكن هناك فكر قائم على أن يقتل الإنسان أخاه الإنسان ليحظى القاتل بالجنة الأبدية على حساب المقتول

إن ما تتلقاه الحواس من الخارج اليوم من: جنون، وعبث، وتفاهة، وقبح الأشياء من حولنا، وانفجارها في عبوة الموت الفكري والجسدي، وكأن العالم كله يتآمرعلى ذاتية العقل والإنسانية ويبشر بالعقل الملعون، ويجند نفسه وكل ذراته لتحويله إلى قبر كبير، يحرم عليه الجمال والحياة ويهان فيه العقل والإنسان معاً.
إن بقيت سياسة نشر الأفكار أو الأيديولوجيات على الشعوب، بمستوى إلغاء الأفكار الأخرى وتحريمها ومحوها من العقول، فلن يكون العالم بألف خير، حيث تجاوزت هذا إلى عملية تدمير شاملة للبشر والأرض لا يمكن تجاهلها.
لقد انتقلت سلطة أصحاب الفكر الدموي، من أرض المعارك إلى مساحة العقول وشاشات وورقيات الإعلام.
أصحاب هذا الفكر لا يمكن أن يطمئن بالهم إلا بتمرير المجازر الفكرية القبيحة التي رسموها في أذهانهم، فمن هذه الفظاعات الوحشية التي دفع ثمنها الإنسان البريء، وستدفع ثمنها الشعوب غالياً أمثلة كثيرة أقربها الهجوم الإرهابي الذي اغتال المرضى المسلمين والمسالمين في المستشفى العرضي في اليمن من قبل عناصر مسلحة تدعي أنها تحارب الشر وتبشر بالسلام للشعوب تحت شعار يتقبلهم الله في الجنة.
في كل الديانات السماوية والحكم الروحية عبر العصور، لم يكن هناك فكر من هذا القبيل، بحيث يقتل الإنسان أخاه الإنسان ليحظى القاتل بالجنة الأبدية على حساب المقتول!
تلك هي الحرب السرية القذرية التي تطال العقل البشري اليوم، وتأخذه إلى حافة الدمار بمخالب مسعورة استحوذت على العقل السوي، وأخذته إلى العقل الشيطاني المتعطش للدماء.
هل سيتحول العالم اليوم نتاج الحروب السرية التي طالت العقل وعبثت بفطرته السوية إلى أطلانتس أخرى.
الأطلنطس ملكت من التكنولوجيا ما أهلها لامتلاك قوة عسكرية ونوويه فريدة من نوعها، بالإضافة إلى تحولها، إلى القتل والحروب، بدلا من إعمار الأرض، ومن منا لا يعرف تاريخ إغراق الله لتلك الحضارة التي تفوق فيها الشر ووصل حده الأقصى الذي لم يعد يجدي معه إلا أن تتدخل العناية الإلهية لغسل الأرض والعقل التدميري بإغراقهم.
ربما تتساءل كيف لحضارة وصلت إلى كل هذا الرقي التكنولوجي أن تختفي في أعماق المحيط في ليلة وضحاها دون أن تترك أي أثر يذكر؟
إنه الشر والفساد والسلبية في الوعي وتسليم الذات الواعية للشيطان، كل هذا جعل اللعنة تحل على هذه الحضارة المتطورة فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ.
الكربة الشديدة التي تصيب الأمة اليوم، ليست إلا نتاج استلاب الوعي الإنساني، ورميه لقوى الظلام واللامعنى وملئه بخرافة الإنسان الكامل الذي تنتظره الجنة وحده دون العالمين.
نجده يقتل الطفل والمسن والمرأة ويقتل الأمة من بني جسنه.. يحرق الأرض ويدمر الحياة السوية لأجل فكر غير سوي.
إنه الفكر الذي لا يعتد بوجود قيمة للإنسان أو حقيقة مطلقة للخير، بل إن هذا القطيع السري الكبير الذي يمارس حرب الفكر ضد الفطرة السوية والرحمة وقيم الإنسانية، ليس إلا بشرا مضطربين خارجين من غياهب الظلمة.
الحرب السرية اليوم، برمجت العقل بشكل لا يمكن وصفه، بحيث تكون الهوة الجهنيمة قد فغرت فاها لابتلاع البشر والاستمرار في إملاء الشر والتسلط وعبودية النص، وتحريفه، وإعلاء قيم الموت والقتل مقابل قيم السلام والإسلام.
إنها خطاب غير أخلاقي، وعدمي قائم على نبذ القيم والسيطرة والتدمير، وإلا بماذا نصف ذبح الأطفال في سورية باسم المعتقد، أو تحت شعار السياسة؟ بماذا نسمي تفجير مستشفى به مرضى وأطفال وملائكة الرحمة باسم المعتقد؟ بماذا نسمي قتل العزل وتشريدهم والتنكيل بهم باسم المعتقد؟
الوجع الحضاري الفكري الذي حل بالأمة هو نتاج حفاري القبور، ومدمري الفكر، ورافعي لواء: اقتل باسم الله وادخل جنة الرب، يغتالون القيمة الحقيقية لمعنى أن يكون الإنسان على الأرض يحيا بسلام.
هؤلاء يحفرون القبور في عقول الشباب قبل أن يحفروها على الأرض. يخلقون الجحيم في الرؤس، ويضعون الحور العين طعما لحواسهم المكبوتة، لينقلوها إلى الأرض والبشر.
فلا نأمن بعد أن طالت الحروب العقل والأرض والأرواح أن نصبح أطلانتس أخرى، وصدق الله وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ.