شرع الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الفضيل، زكاة الفطر، وقد شرعت زكاة الفطر لحِكَمٍ عديدة منها:
جبران نقص الصوم، فقد بين ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث ابن عباس أنها (طهرة للصائم من اللغو والرفث) رواه أبو داود وغيره، وعَنْ ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً لِلمَسَاكِينِ، مَنْ أدَّاهَا قَبلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَنْ أدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ.
وقال بعض أهل العلم إن زكاة الفطر كسجدة السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر سجود السهو نقصان الصلاة. ومن حكم زكاة الفطر أنها إغناء الفقراء عن السؤال في يوم العيد، ومشاركتهم الأغنياء فرحة العيد.
تجب زكاة الفطر على كل مسلم، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، عاقل أو مجنون لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين) متفق عليه.
ويشترط لوجوبها أمران وهما:
• الإسلام فلا تقبل من الكافر لقوله تعالى: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله} (التوبة: 54).
• القدرة عليها، بأن يكون عنده يوم العيد وليلته قدر زائد عن قوته وقوت عياله ومن تلزمه نفقتهم وحوائجهم الأصلية من طعام وشراب ومسكن وملبس.
وتجب زكاة الفطر بغروب شمس ليلة عيد الفطر، فمن كان من أهل الوجوب حينئذ وجبت عليه وإلا فلا، فإذا مات قبل الغروب ولو بدقائق لم تجب عليه، وإن مات بعده ولو بدقائق وجب إخراج زكاته، ومن أسلم بعد الغروب فلا فطرة عليه، ولو ولد لرجل بعد الغروب لم تجب فطرته لكن يسن إخراجها عنه بخلاف ما لو ولد له قبل الغروب فإنه يجب إخراجها عنه.
وتكون زكاة الفطر من غالب قوت البلد لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير)، وكان الشعير يوم ذاك من طعامهم كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: كنا نخرج يوم الفطر في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صاعاً من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر رواه البخاري.
والقدر الواجب صاع من أي من هذه الأصناف أو غيرها من الطعام، ويقدر بكيلوجرامين وأربعين جراماً من البُرِّ، ومن غير البُرِّ بحسبه. وتدفع صدقة الفطر للفقراء والمحتاجين دون سائر مصارف الزكاة الثمانية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه لله، ولا يجوز دفعها إلى من تجب على الإنسان نفقته، كما لا يجوز دفعها إلى أهل الذمة. ويجوز دفع زكاة الفطر لفقير واحد أو عدة فقراء، والأولى دفعها إلى الأقرباء الفقراء الذين لا تجب نفقتهم على المزكي.
الإسلام صالح لكل زمان ومكان، والإسلام ليس حكرا على بلد أو جنسية، ومن حكمة الإسلام جواز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين. وما زلنا نمارس إخراج زكاة الفطر بنفس النوع وإعطاءها لنفس الأشخاص!. متناسين تغير الزمان وحاجات المسلمين. سأتكلم بلغة الأرقام: عدد سكان المملكة العربية السعودية حوالي 28 مليون نسمة، منهم حوالي 20 مليون نسمة مواطنين سعوديين. سيخرج عن كل فرد حوالي 3 كجم من الأرز. لن أتطرق لعدد الفقراء ولكن سأفترض أن من يستطيع إخراج زكاته 16 مليون مواطن، وهذا يعني حوالي 48 مليون كجم!. سيتم دفع 48 ألف طن لفقراء المملكة العربية السعودية وستكون عادة من الأرز!
لنتكلم بصراحة وشفافية مع الطاعة والتسليم بما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه أو سنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام. أولا من نعم الله سبحانه وتعالى علينا في هذه البلاد أنه لا يوجد لدينا فقراء وإن وجد فهم قلة. وأقصد بالفقير هو من لا يجد قوت يومه، وتمثل له زكاة الفطر مصدراً للفرحة. وأغلب من يعيشون حولنا هم من فئة المساكين أي يجد ما يأكله ولكن لا يستطيع تدبر شؤون حياته. فلله الحمد لم أسمع أن هناك مجاعة في بلادنا أو أن أحداً مات من شدة الجوع.
ثانيا سيكون شهر رمضان في آخره موسم التمور، ومن الأفضل دعم المزارعين في شراء محاصيلهم وتوزيعها على الفقراء كزكاة فطر، فتكدسها خسارة اقتصادية قبل أن تكون فردية. وهذا من باب التعاون على البر والتقوى وحفظ النعم، فبشكر الله تدوم النعم. وتنويع الزكاة على الفقير كي يفرح ويسعد بدلا من أطنان الأرز التي خلقت تكدسا في كل مكان وزادت نسب الاستهلاك في الاستيراد وتضخم الأسعار.
ثالثا وهو الأهم التوزيع السكاني في المملكة العربية السعودية وسوء توزيع زكاة الفطر خلق عدم توازن أضر بالجميع!. هناك مواقف أعرف أشخاصا وقفوا عليها، وهي شكوى فقير من تكدس منزله بأكياس الأرز، فاضطر لبيعها على المطاعم بأبخس الأثمان، دون عروض أو خصومات من المطاعم على وجبة الأرز، بل استمروا في زيادة مكاسبهم. والخلل الآخر هو وجود فقراء في أطراف المملكة لم تصلهم هذه الزكاة مع أنهم أحق!. والسبب في ذلك هو إخراج زكاة الفطر في البلد.
رابعاً أكرر أن الفقراء هم الأحق بـزكاة الفطر، لنا إخوان من دول مجاورة يعيشون حالات من الفقر الشديد، وإخوان يعيشون الحروب والجوع والخوف، ودول في أفريقيا تحت خط الفقر، أليس من حقهم أن يفرحوا بالعيد! أليس من حقهم علينا صرف فريضة شرعها الله سبحانه وتعالى هم أحق بها!
زكاة الفطر هي حق للفقير من قوت البلد، وأوجهها رسالة إلى هيئة كبار العلماء بإصدار فتوى بذلك، والجمعيات الخيرية بصرف زكاة الفطر بما يكفي الفقير قوته أيام العيد، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والندوة العالمية للشباب الإسلامي ومؤسسة مكة الخيرية على بذل الجهد في تطبيق هذه الشريعة بشكل متقن.