الشجاعة في الكلمة أو الجملة حين تخرج من الفم، أو تطبع على الورق، هي أن تعتذر بوضوح تام، حين تكتشف خللا في الجملة أو الكلمة. الشجاعة هي أن تعود إلى الحق حين تتضح أمامك معالمه، والجبن الحقيقي هو أن تتمادى في التبرير، وتسويف الفهم، وتضليل قارئ الكلمة، أو المستمع إلى الجملة.
حين قرأت – أمس – على الصفحة الأولى من هذه الصحيفة اعتذارها الصريح لمعالي رئيس هيئة مكافحة الفساد على الالتباس في فهم جملة واحدة من تصريحٍ سابق لمعاليه، رفعت صحيفتي فوق العقال لأنها لا تحترم كلمة صاحب المعالي وحسب، بل لأنها تحترم الآلاف من قرائها الذين تلتزم أمامهم بأخبار صحيحة.
ليس عيبا أن نعتذر عن الخطأ، ولكن العيب المخجل أن نتمادى في تبريره. أشعر بعد قراءة اعتذار هذه الصحيفة على صفحتها الأولى، أنني أكتب لمطبوعة تحترم الأعراف والتقاليد، وتحترم – قبل هذا – جمهورها الواسع العريض من القراء الذين التزمتْ لهم بالمصداقية والموضوعية.
رسالة الوطن أمس، هي رسالتها نفسها إلى كل أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة، لا رسالة خاصة إلى معالي الأستاذ محمد الشريف، أو إلى هيئة مكافحة الفساد.
رسالة الوطن في اعتذارها – أمس ـ إلى معالي الرئيس هي رسالة جوهرية بأن الإعلام شريك مكمل، ومتشابك اليدين، والأحبار والأقلام، من أجل الوصول إلى الأهداف الوطنية المكتملة.
رسالة الوطن في اعتذارها – أمس – إلى معالي رئيس هيئة مكافحة الفساد، دلالة شجاعة تحترم كل الأطياف، وتزرع جذور الثقة في الوصول إلى الهدف الوطني المشترك.
رسالة واضحة تريد أن تقول لكل مسؤول: إننا لا نبحث عن أخطائكم، ولا نتصيد منكم جملة ولا كلمة، بل أيضا، نراجع كل ما نكتبه.
في حياتي الكتابية معكم، اعتذرت مرتين، وما زال المقالان بزاويتين أمامي عندما أكتب من جديد؛ شكرا لهذه الوطن لأنها سمحت لي بأن أضع صفحتها الأولى أمس بروازا لثقافة الاعتذار وشجاعته.. شكرا أخي طلال آل الشيخ.