هل قدمت وزارة الصحة لوزارة المالية نسبة المواطنين الذين يقومون بالدفع من جيوبهم الخاصة للخدمات الصحية المقدمة من القطاع الخاص ومراكز الأعمال للقطاعات الحكومية؟

أيام وتعلن المملكة عن ميزانيتها السنوية للعام الحالي، بتوقعات لفوائض مالية محققة، قد تجعل منها ثاني أضخم ميزانية للدولة، حسبما صرح بذلك عدد من الخبراء الاقتصاديين والماليين. ومع قرب هذا الإعلان، تطفو على السطح أسئلة عدة عن المخصصات لقطاعات الخدمات الصحية وعلى رأسها وزارة الصحة.
بلغت مخصصات وزارة الصحة للعام 1434/ 1435 أربعة وخمسين مليار ريال سعودي بزيادة 15? عن العام الذي يسبقه، وقد أصدرت الوزارة حينها بيانا شبه تفصيلي عن أوجه صرف هذه الميزانية المليارية التي تحلم أن تحظى بها أي وزارة صحة حول العالم.
ومع ذلك فإن بيانات وزارة الصحة السنوية الروتينية عما يخصص لها من ميزانيات تفتقر للتفصيل والشرح المدعمَين بالمؤشرات الكمية والنوعية، مع العلم بأن توجيهات الملك ـ حفظه الله ـ لطالما كانت واضحة وصريحة بأن يقوم كل وزير ومسؤول بتوضيح وشرح ما يخص ميزانية قطاعه المقررة لوسائل الإعلام بشكل مفصل ودقيق.
وإذ إن الهدف الأساس لميزانية وزارة الصحة هي تلبية احتياجات المواطنين، وتحسين وتجويد مستوى الخدمات الطبية المقدمة لهم، وهو ما تذيل به كل بيان لميزانيتها السنوية، فإن تقاريرها الإحصائية السنوية وبياناتها المالية السنوية لا تحتوي على أي مؤشر لقياس هدفها الأساس: تلبية احتياجات المواطنين.
تقوم وزارة الصحة سنويا وبعد الإعلان عن مخصصاتها من الميزانية بسرد مخصصاتها لكل بند من رواتب وتشغيل ومشاريع إنشائية وتطويرية، وبالطبع لا يحوي هذا السرد أي مؤشر إنساني أو صحي، وإنما جله مؤشرات خرسانية لمستشفيات ومراكز صحية أغلبها متعثر، بدليل التوصية الرابعة التي قدمتها اللجنة الدائمة لمتابعة المشروعات الخدمية والتنموية بخصوص مشروعات وزارة الصحة في خبر نشرته الوطن مطلع هذا الأسبوع. نصت التوصية الرابعة للجنة على أن تقدم وزارة الصحة تقارير للديوان الملكي، توضح التقييم الفني عما تم من المشاريع المتعثرة والمتأخرة، ويوضح فيها اسم المشروع ورقمه ونسبة الإنجاز الفعلية ونسبة المدة المنقضية والإجراءات التي اتخذتها الوزارة لمعالجة ذلك، ونسبة التقدم المتحققة.
خارطة الطريق التي قدمتها اللجنة وتوصياتها تدل على استشعار لسوء إدارة وزارة الصحة لموارد الدولة المالية ومخصصاتها لأكبر قطاع صحي مسؤول عن 60? من الخدمات المقدمة للمواطنين؛ ولكنه استشعار لمؤشرات المشاريع الإنشائية من دون الأخذ في الحسبان المؤشرات المالية والاقتصادية الصحية للمواطنين.
هل قدمت وزارة الصحة لوزارة المالية نسبة المواطنين الذين يقومون بالدفع من جيوبهم الخاصة للخدمات الصحية المقدمة من القطاع الخاص ومراكز الأعمال للقطاعات الحكومية؟ هل قدمت وزارة الصحة تفسيرا لإثقال كاهل هؤلاء المواطنين بمصاريف لحق كفله لهم النظام الأساسي للحكم بمادته الـ31؟
مؤشر إنفاق المواطن من جيبه الخاص على الخدمات الصحية المكفولة له كحق من حقوق المواطنة هو مؤشر هام وحيوي لتقييم فاعلية إدارة الوزارة لمخصصاتها المالية، ومؤشر مهم لتحريك بوصلة مخصصات وزارة الصحة للسنة القادمة.
المؤشر الآخر والمهم لتحديد ما تخصصه وزارة المالية لوزارة الصحة، هو فاعلية التكاليف لما تختاره وتقرره وزارة الصحة من أدوية ومعدات طبية علاجية وتشغيلية. هل قامت وزارة الصحة بتزويد وزارة المالية بتحليل لفاعلية التكاليف لمصروفاتها التشغيلية والعلاجية؟ ما عتبة فعالية التكاليف التي تستخدمها وزارة الصحة لإدارة مخصصاتها؟
حان الوقت لوزارة المالية أن تحذو حذو الدول المتقدمة في آليات تخصيص ميزانيات القطاعات الصحية، وذلك بأن تعتمد مؤشرات على جودة الأداء لا كميته، وعليه فإن التوسع في إنشاء المستشفيات والمراكز في مناطق المملكة المختلفة من دون تقديم مؤشرات على تأثير هذا التوسع في معدلات الوفيات والمرضى لهذه المناطق يعد هدرا للمال العام.
إعادة هيكلة آلية التخصيص لوزارة الصحة والقطاعات الصحية باعتماد مؤشرات استشرافية للمستقبل الصحي بات ضرورة وطنية، وإن لم تتدارك وزارة المالية الخطر المحدق بمستقبل الأجيال القادمة من تسارع ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، فإن سوء إدارة الخدمات الصحية سيكون عبئا ثقيلا على كاهل اقتصاد الدولة وعلى جيب المواطن وحياته.