من يتابع أخبار الأزمة السورية على الفضائيات ومختلف وسائل الإعلام سيصل إلى قناعة أن الشوارع تحولت إلى توابيت تعمل بنظام التأجير اللحظي، حتى الأخشاب احتجت، لأنها لم تعد قادرة على استيعاب القتلى، ربيع الديموقراطية وجنة الحرية تحولا إلى صفيح معدني سميك وساخن محرق، والأقدام المحمية بالبسطار الغليظ، واليدين المتوترتين الضاغطتين على الزناد لدى أي اشتباه أو ريبة؛ زادت غلظتها وارتجافتها وارتعابها الكوني.
تحول الليل إلى كابوس ثقيل، والنهار خوذة لا تحمي صاحبها من رصاصة رعناء يرسلها قناص عن بعد، سار النهر والبحر بالضغينة، تأثثت النفوس بالكراهية، وغاب الوعي، وانفصل العقل فسبح الجميع بالفوضى الدموية، منتصرون بلا نصر، ومهزومون دون هزيمة، معركة أطرافها الدم وحقائب السامسونايت ذات الطبيعة الدبلوماسية.
المقاومة صارت مقاومات، والثورة تشظت لثورات تعمل وفق جغرافيا ضيقة، صارت الكيانات بقالات سياسية أو طائفية، بلد كان بلدا، ووطن انزلق في التقسيم والمشاريع الضيقة، وطن بلا قالب، سياسيوه بكرفتاتهم وعباءاتهم وعمائمهم يتشكلون في مواقف قابلة للطي والطرق والسحب بحسب القاعدة الفلزية.. مواطنوه مجرد أرقام على ثلاجات المستشفيات، وطن يغرق في المجهول ويركض بحماس إلى اللا معنى، ويدخل نفق التاريخ المظلم والطويل، وطن مستقبله المستحيل، وماضيه القسوة، وواقعه الدم، يمضي بحماس للتفتت وتنجح نخبه في اللا معنى، بينما تحرث أرضه بالجنازير وتفلح حقوله بالصواريخ، سماؤه أدخنة صفراء، يجوبه الموت وتمتحنه النار، بينما يتوزع أطفاله أرقاما في قيود النازحين بانتظار خيمة أو وجبة باردة، تزايد عليه الدول في مزاد السياسة الدولية، وتأخذه إلى أجنداتها المغلقة بانتظار صفقة ما، يحتل نشرات الأخبار كأخبار عاجلة بينما يركن ضمير العالم للصمت، وحكامه القساة يوزعون الموت مثل العروض الترويجية ويستجلبون كل قتلة العالم لأخذ دورات مجانية على أرض الواقع، ويشرعون مؤسساته ومقدراته لكل لصوص العالم بحثا عن قشة البقاء الموهومة وسط هذا البحر من الدمع والدم.
وطن كان وطنا، وبلاد كانت بلادا، وعباد يبحثون عن فيزا لجوء لهذا العالم الذي باع إنسانيته من أجل حفنة كيماوي.