يمكن إعلان أسماء من ارتكبوا جرائم قتل، ولكننا لا نذكر أسماء من قاموا بالفساد في الأرض وخانوا الأمانة وأخذوا الرشاوى وتسببوا في قتل المئات! مع أن هؤلاء يستحقون التشهير
صدرت مؤخرا أحكام ابتدائية عن الدائرة القضائية بمحكامات سيول جدة بديوان المظالم، بحق من أجرموا في حق البلاد والعباد وخانوا الأمانة وتسببوا في مآس مفجعة، مقابل رشوة تصل إلى سبعة ملايين، أما السنوات التي سيقضيها هؤلاء المجرمون الخونة في السجن فسبع سنوات عجاف بإذنه تعالى يذوقون فيها العناء والشقاء.
لكني أتساءل عن عدم التصريح بأسماء هؤلاء ليكونوا عبرة لمن يعتبر. فالرشوة لا تقل خطورة عن الإرهاب، فما العلة في عدم الإعلان عن أسمائهم، فبعض وسائل الإعلام ذكرت أن الحكم الذي صدر تضمن (سجن أمين سابق بأمانة جدة لمدة 8 سنوات وتغريمه مليون ريال، فيما حكم على أحد رجال الأعمال بالسجن 5 سنوات وتغريمه مليون ريال والحكم على رجل أعمال ثان بالسجن 4 سنوات وتغريمه نصف مليون ريال) كما أضاف بعضها الآخر أنه (شهدت خلال الفترة الماضية الحكم على أكثر من 9 من القيادات التي كانت تشغل مناصب رفيعة في الأمانة قبل كف أيديهم عن العمل، من بينهم مسؤولون في قسم إدارة تصريف السيول والأمطار وموظفون بقسم المشروعات ومديرون سابقون في إدارة فحص الملكيات، بالإضافة إلى مدير عام الطرق في أمانة -مكفوف اليد- وسكرتير بلجنة الأمطار وإداري في قسم منح الأراضي، حيث تفاوتت الأحكام على المذكورين ما بين 7 و6 و5 سنوات بعد إدانتهم بجرائم الرشوة والتزوير والضلوع في جرائم تتعلق بمشروعات السيول والأمطار بجدة).. ألم تلاحظوا: أمين سابق؟ رجال أعمال! رجل أعمال ثان.. مسؤولون في قسم إدارة تصريف السيول والأمطار، وموظفون بقسم المشروعات، ومديرون سابقون في إدارة فحص الملكيات.. مدير عام الطرق في أمانة (مكفوف اليد) وسكرتير بلجنة الأمطار وإداري في قسم منح الأراضي! والله مهزلة.. هؤلاء ثبت بالأدلة أنهم تجرؤوا على الدولة وتهاونوا بنظامها ولم يراعوا حقها وحق العباد، ثم بعد ذلك نجازيهم بحفظ ماء وجههم فلا نعمد إلى التشهير بهم، إن هؤلاء لا يستحقون منا إلا ولا ذمة.. هم أخطر على المجتمع من قاتل يرتكب جريمة القتل، فهذا قتل رجلا واحدا، وهؤلاء تسببوا في قتل الوطن دون أي رادع من دين أو ضمير أو نخوة.
ويمكن إعلان أسماء من ارتكبوا جرائم قتل، ولكننا لا نذكر أسماء من قاموا بالفساد في الأرض وخانوا الأمانة وأخذوا الرشاوى وتسببوا في قتل المئات، وأنا هنا لا أطالب بالإسراع في نشر الأسماء، لكن عندما تصدر الأحكام وتصبح نافذة، من حقنا كمواطنين التشهير بهم ليكونوا عبرة لمن يعتبر. إن من يعمل على نشر الفساد في الأرض ويخون الأمانة كهؤلاء لا يستحق منا الرحمة.
ولا أستبعد أن هؤلاء الخونة من موظفي القطاع العام، وزملاء زنزانتهم من رجال الأعمال دافعي الرشوة وآخذيها، كانوا يحضرون المناسبات الرسمية ويصافحون القائمين على الأمر ويتبادلون الحديث معهم.. إن هؤلاء يستحقون التشهير دون أي رأفة، فجريمتهم مخطط ومدبر لها، وحدثت مع سبق الإصرار والترصد.
لقد دار حديث بيني وبين الوالد ـ رحمه الله ـ في طفولتي المبكرة عن أجواء الهند الممطرة، فكان مما قال إنها مع هطول أمطار غزيرة عليها إلا أن البنية التحتية في بومباي تحميها من انقطاع الكهرباء ومن تجمع الأمطار في الشوارع.
وفي الفترة الماضية عندما غرقت شوارع في عاصمة البلاد الرياض وفي غيرها تذكرت حديثه هذا رحمه الله، وهو ما أفعله منذ سيول جدة.. فحتى المقاولون الأجانب الذين يفترض أننا ندفع لهم حتى نحصل على الجودة العالية، لا يقومون بمهامهم كما يجب. ولا أستبعد أن تكون أعمالهم ملوثة بالفساد.
أما فيما يتعلق بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد نزاهة فنحن بحاجة ماسة إلى توسعة مهامها وإعطائها المزيد والمزيد من الصلاحيات، فنحن وبشكل يومي ننتظر منها حراكا يؤكد إخلاصها للقسم الذي أعلنته أمام ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله، الذي وثق بها وخصها بالكشف عن الفساد، ولكنها وكما يظهر لا تملك كافة الصلاحيات لكشف الفساد الذي اشتركت فيه أياد من القطاع العام والخاص. مع تأكيد أنها ستبذل قصارى جهدها لذلك.
ومن جانب آخر أدعو وسائل الإعلام على اختلافها -المرئية والمسموعة والمقروءة- بالتعاون مع رجال الأعمال في نشر الوعي بين المواطنين والمقيمين للمساهمة في مكافحة الفساد بشتى أشكاله، سواء في القطاع العام أو الخاص أو بينهما معا. فسيكون رائعا لو شاهدنا إعلانات في الصحف والتلفاز وعلى جوانب الطرقات تذكرنا أننا -كأعضاء نزاهة- مسؤولون عما يدار على أرضنا من فساد، وأن سكوتنا عن الفاسدين مع علمنا بفسادهم يعد خيانة للوطن ولأبنائنا ولأنفسنا أيضا.
خلال أيام قليلة سنقف أمام ميزانية سخية كالعادة، ولكن ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ لا يقبل ولا ولي عهده الأمين ولا حكومته الرشيدة ولا الشعب السعودي أن يعم الفساد، ولا أن تمارس الخيانة دون رادع. فلنشهر بهؤلاء وننزل بهم أشد العقوبة.