بكل الوضوح واللغة المباشرة، أستطيع اليوم أن أقول إنني لم أستمع في حياتي إلى 'لغة' أمير منطقة يتحدث فيها عن مشاكل منطقته التنموية
بكل الوضوح واللغة المباشرة، أستطيع اليوم أن أقول إنني لم أستمع في حياتي إلى لغة أمير منطقة يتحدث فيها عن مشاكل منطقته التنموية، مثلما استمعت، ظهر الثلاثاء الماضي، إلى ورقة الأمير مشاري بن سعود بن عبدالعزيز، أمير منطقة الباحة.
عشت حياتي كارها للتمييز المناطقي، ولهذا شعرت بالحزن الشديد، حين يصل سمو الأمير الحريص الشجاع في سرد التفاصيل إلى أن التنمية المستدامة لم تنظر إلى منطقة الباحة إلا على أنها مجرد نقطة عبور بين منطقتي: مكة المكرمة وعسير. شعرت أيضا أن سمو الأمير قد وصل به الإحباط إلى الدرجة التي وقف فيها على عمق العمق، حين يقول أمام الجمهور في ندوة مفتوحة: إن منطقةً مثل الباحة لا توجد حتى على خريطة الكثير من التردّدات الإذاعية، وهذه ذروة الإهمال والتهميش في الخريطة التنموية الوطنية.
سمو الأمير: ستحظى بحب أهلك في مكانك الإداري، إذا ما واصلت لهم هذه الصراحة والمباشرة، وعلى مسؤوليتي: فقد شعرت ـ بعد ندوتنا المشتركة ـ أنك من قلائل المسؤولين الذين تخلوا عن العباءة الرسمية، ثم تحولوا إلى صوت للمواطن؛ أدركت أن أهلنا في الباحة يستحقونك بالفعل، وفي وطن يشكو في الأصل رتابة التنوع البيئي والطبيعي، سيكون من المخجل لمسيرة التنمية أن تشكو أجمل وأروع مناطق المملكة كلها على الإطلاق هذا الإهمال والتهميش، ثم يتحول أجمل مكان على الخريطة إلى أكبر مكان للهجرة والتهجير السكاني.
نستطيع ـ يا سمو الأمير ـ أن نجعل من الباحة، لو امتلكنا الإرادة، أهم وأقوى مدينة جامعية في هذا العالم العربي، لأنها ـ وعلى مسؤوليتي ـ المدينة الوحيدة على كل خريطتنا التي تصلح طقوسها وهدوؤها لهذه الوظيفة التعليمية.
نستطيع ـ يا سمو الأمير ـ أن نجعل من هذه الباحة، أبرد صيف على جلد المواطن الخليجي، لو أننا، وبقرار سيادي، ربطنا عقود هيئة الاستثمار، وصناديق التنمية المختلفة، بقرارات ملزمة تتوجه للمناطق الأكثر تهميشا وثانوية على الخريطة.
نستطيع ـ يا سمو الأمير ـ أن نجعل من الباحة قبلة وطنية للاستشفاء ولما بعده من النقاهة، كما فعل أبناء العم سام، حين حولوا مينسوتا المثلجة الباردة إلى ماركة مسجلة باسم مايوكلينيك.
هناك العشرات من الأفكار ولكن ـ يا سمو الأمير ـ: ستبقى المشكلة أمامك في الوزارات والهيئات المختلفة، أن كبار التنفيذيين فيها لا يعرفون شكل الخريطة، ولا يدركون تنوعها المثير المختلف.