الخطوة الحاسمة التي نفتقر إليها، مرهونة بتطبيق حقوق الطفل في السلك التربوي، فهي المحك الحقيقي والاختبار الفعلي للحد من بانوراما العنف المدرسي

بداية، ولأن في الأمور أمورا، اسمحوا لي بسرد هاتين القصتين: الأولى، هي لأب عربي مقيم في فنلندا، غضب من ابنه يوما، وصفعه على وجهه. حدث هذا صباحا والطفل يتهيأ للذهاب إلى المدرسة التي وصلها والدموع في عينيه، وأصابع الأب الغليظة مطبوعة على خده المحمر، فقامت القيامة ولم تقعد، انظروا ماذا حصل؟ 1- خطاب عاجل من مدير المدرسة إلى مدير الشؤون التعليمية ومرفق معه صورة الضحية 2- استدعاء الأب للمحاكمة 3- تعهد الأب خطيا للمدرسة ودائرة الشؤون الاجتماعية بأن يلتزم بقانون حماية الطفل 4- إجبار الأب العربي أن يدخل دورة حقوقية ـ ليس لمجرد الاطلاع ـ بل دورة مكثفة ومعه زوجته لدراسة قانون حماية الطفل في فنلندا، واتفاقية حقوق الطفل.
لاحظوا معي بأن الطفل ليس فنلنديا، بل عربي؛ لأن القانون هناك يتميز بالمسؤولية عن حماية الطفل، من أي جنسية كانت، بمجرد أن يكون على أراضي فنلندا.
أما القصة الثانية، فهي مقطع فيديو أثار الملايين من المجتمع السعودي ظهر مؤخرا لطالب سعودي في المرحلة الابتدائية، تعرض إلى التعنيف النفسي من قبل مدرسه، وأظهر المقطع توسل الطفل لمعلمه بأن يتركه يتعلم في البيت ويعود، ومن خلال المقطع أوضح الطالب الطفل الباكي محمد موجها كلامه للمعلم قائلا: ما أعرف أكتب، أروح للبيت أتعلم وأجيك، ويظهر من حالة الطفل النفسية وخوفه الشديد وتوسله وبكائه أنه يعاني من عنف واستبداد من المعلم. الجدير بالذكر، أن حادثة تعنيف الطالب بمحافظة صبيا وقعت متزامنة مع احتفال المجتمع الدولي بحقوق الطفل. وبالرغم من أن هذه الحادثة مجردة من الإنسانية بكل تفاصيلها المأساوية، إلا أنني لم أكن في حالة تعجب واستغراب وأنا أنظر إلى المشهد، على طريقة إذا عُرف السبب بطُل العجب، فلا غرابة ولا ذهول في تعليم نفتقد فيه لثقافة حقوق الإنسان كأولوية رئيسة؛ لاغرابة أن تكون النتيجة كارثية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
إنني أتساءل: هل يمكن لمجتمع أن يغلق العين عن حقوق الطفل؟ إن كُنا نُتقن خطاب الدفاع عن الطفولة وحمايتها، فإن الواقع من الصعب تجميله بالخطابات. فعندما نتأمل القصة الفنلندية ندرك بكل وضوح أثر تعليم حقوق الإنسان في البيئة التربوية؛ ففنلندا تملك الكثير من التشريعات والقوانين لحماية الأطفال من إساءة المعاملة والإهمال، حتى أصبحت جزءا من الخلفية الثقافية للمجتمع، وكذلك اهتمامها الخاص بالسياسات الحقوقية المدرسية التي ترتكز على مصالح الطفل الفضلى، التي تتنافس معها كثير من الدول أمثال: أميركا والنرويج وبريطانيا والسويد وأستراليا أما نحن: 16 عاما مضت على مصادقة المملكة على اتفاقية حقوق الطفل، وكذلك مصادقتها على ميثاق حقوق الطفل في الإسلام، وسنوات عدة على إنشاء اللجنة الوطنية للطفولة، وتعليمنا ما زال يخلو من ثقافة حقوق الطفل، مع العلم بأنه تم إقرار استراتيجية ثقافة حقوق الإنسان في التعليم العام منذ ثلاث سنوات، ولكنها لم تفعل في الواقع، كثيرة هي التصريحات التي سمعناها من المسؤولين عن إدماج حقوق الإنسان في التعليم العام، لكن المسألة لا تعدو كونها أكثر من تصريحات فقط!
أخيرا أقول: إننا نتحدث عن طفل ذاق في باكورة حياته مرارة الجراح، وهُددت حقوقه الإنسانية، ناهيك عن حالاته النفسية، التي تُمثل أكبر خطر في حياته، والخطوة الحاسمة التي نفتقر إليها، مرهونة بتطبيق حقوق الطفل في السلك التربوي، فهي المحك الحقيقي والاختبار الفعلي للحد من بانوراما العنف المدرسي.