من تطبب ولم يُعلم منه طب فهو ضامن، وعليه نأمل أن يتم السماح لمراكز الشرط بقبول بلاغات الأطباء والممارسين الصحيين عن حالات القتل والإصابات الناتجة عن ممارسات دجالي الطب البديل والتكميلي
سينتهي الموضوع ولن يكون له أي تأثير عليّ.. كانت هذه كلمات دجال الطب البديل والتكميلي محمد الهاشمي في حديثه لصحيفة الشرق الأوسط عام 2005 في تعليقه على بيانات وزارة الصحة السعودية التحذيرية بشأن مزاعمه عن علاج السرطانات والسكري والصرع وجميع الأمراض!
وبعد ثماني سنوات من التراشق الإعلامي الشهير بين وزارة الصحة السعودية والهاشمي، طالعتنا بعض الصحف الإلكترونية المغمورة قبل عدة أشهر بقيام هذا الدجال الهاشمي بتكريم عشرين أخصائي تغذية حول العالم ومنحهم الجائزة الذهبية من مركزه في يوم الصحة لهذا العام، والذي كان موضوعه مكافحة ارتفاع ضغط الدم. وبالتأكيد فإن هذا الحفل اللندني الفاخر لم يخل من استعراض للدجل، ولكنه كان هذه المرة لخلطة الأعشاب الخاصة بمركزه لعلاج ارتفاع ضغط الدم!
تسببت سموم هذا الدجال وفروع مركزه الواقعية والافتراضية التي تغطي العالم العربي بمقتل المئات وإدراج الألوف في قوائم انتظار زراعة الكبد والكلى، وما زلت أذكر قبل أعوام مشهد الطفل الذي صارع الموت في إحدى غرف الطوارئ بمدينة الرياض بفشل كبدي حاد وحيرتنا أمام حالته حتى أخرجت والدته من حقيبتها الأعشاب لتسلمها لنا وذكرت أن الهاشمي وصفها لهم لشفاء ابنهم من مرض الصرع. مات الطفل مقتولا بأعشاب الهاشمي وهو ما زال حرا طليقا يحمل لواء دجل الطب البديل والتكميلي ليتبعه عشرات من داخل المملكة وخارجها من دون رقيب ولا حسيب.
تحذير وزارة الصحة السعودية آنذاك من الدجال الهاشمي جيد ويحسب لها حتى وإن كان مجرد ردة فعل حينها على إعلانات مركزه في الصحف السعودية. ولكن ما غاب عن وزارة الصحة أن دجال الطب البديل والتكميلي كالساحر، سيستمر بمفسدته وإزهاقه للأرواح إن لم يقتل، ولقتل دجالي الطب البديل والتكميلي طرق عديدة للأسف لم يكن من ضمنها المركز الوطني للطب البديل التكميلي.
أقر مجلس الوزراء في عام 2008 إنشاء مركز وطني للطب البديل والتكاملي بإشراف وزارة الصحة، ويعمل باعتباره جهة مرجعية وطنية في كل ما يتعلق بنشاطات الطب البديل والتكميلي ويرتبط بوزير الصحة مباشرة ومن مهامه وضع الأسس والمعايير والشروط والضوابط لمزاولة مهنة الطب البديل والتكميلي وإجراء المسوحات والدراسات والبحوث المتعلقة بذلك، بالإضافة إلى إصدار التراخيص بمزاولة مهنة الطب البديل والتكميلي.
مرت خمس سنوات على إنشاء المركز ولم يقم بأي من مهامه، فلا معايير ولا ضوابط أقرت، ولا نتائج دراسات نشرت عن عبء المراضة والوفيات الناتجة عن ممارسات الدجل الشعبي، ولا نتائج دراسات نشرت عن معدلات استهلاك المواطن للطب البديل، ولا عن معدلات الإنفاق عليه، وبالتأكيد لم تصدر لائحة مزاولة مهنة الطب البديل والتكميلي.
ومع ذلك، فإن انعدام القيام بالمهام أعلاه لم يمنع الرياض من احتضان المؤتمر الخليجي الثاني بعنوان نحو طب تكميلي مبني على البراهين، في مفارقة عجيبة، فنحن لا نملك تشخيصا لواقع الطب البديل والتكميلي في المملكة والخليج، بشقيه الصحيح والدجلي، وكان من الأجدى عنونته نحو إيجاد البراهين للطب التكميلي قبل بناء الطب ذاته.
هذا الترهل في أداء المركز لمهامه، حساس وخطير في ظل انعدام تنظيم العطارة من قبل المركز وضعف مراقبتها من هيئة الغذاء والدواء. ترهل أداء المركز يعزز من شعبية دجلة القنوات الفضائية من متبعي الطريقة الهاشمية للطب البديل، ويرفع أسهم متابعي دجلة الطب البديل في قنوات التواصل الاجتماعي. هذا الترهل يحد من تطور وتنظيم الطب البديل والتكميلي في المملكة ويظلم أصحاب الشهادات الحقيقية وأصحاب الخبرة في هذا المجال المهم الداعم للطب التقليدي.
من تطبب ولم يُعلم منه طب فهو ضامن، وعليه فنحن نأمل بأن يتم السماح لمراكز الشرط قبول بلاغات الأطباء والممارسين الصحيين عن حالات القتل والإصابات لمرضاهم الناتجة عن ممارسات دجالي الطب البديل والتكميلي.
نأمل السماح بإنشاء جمعية أهلية لمكافحة ممارسات الدجل الشعبي ودعمها إعلاميا بتبرع الصحف المحلية بزاوية أسبوعية للتشهير بالدجالين والدجالات ونشر الوعي بين الناس عنهم.
نأمل بأن تقوم وزارة التجارة والصناعة بالتعاون مع هيئة الغذاء والدواء وأمانات المناطق بإطلاق خط ساخن وتطبيق للهواتف لبلاغات المواطنين والمقيمين عن خلطات العطارة المشبوهة والضارة، مما يسهل رصدها ودراستها ونشر التقارير الدورية عنها.
نأمل أيضا بأن تعي أمانات المناطق أن ممارسي الحجامة لا يختفون بإغماض أعينها عنهم وأنها لا بد من أن تقوم بدورها بترخيص هذه الممارسة ومراقبة اشتراطاتها الصحية، فهي ممارسة ذات خطورة عالية لنقل أمراض معدية كالكبد الوبائي وفيروس نقص المناعة المكتسب للخاضعين لها وزوجاتهم وأطفالهم.
لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام نشاط دجالي الطب الشعبي والبديل والتكميلي اليومي، ولذلك فإن الحلول أعلاه هي أقل ما يمكن البدء بتفعيله للوقاية من أخطار هذه الممارسات ولحفظ حقوق القتلى والمرضى الضائعة بين دجالي الطريقة الهاشمية وعدم قيام المركز الوطني للطب البديل بمهامه.