وفاء آل منصور

تجالست برفقة الإحباط في ليلة قمرية رغماً عني، فطبيعتي لا تحب مجالسته، ولا حتى صديقة التشاؤم، ولكن أحياناً ينقشع صبرنا ويطفح كيلنا جراء انتظارنا الطويل لأشياء تعلقت قلوبنا وأرواحنا بها لدرجة أننا نشعر بوجودها ومجيئها بملامستنا السحب وتقبيل السماء الشاسعة.. أتعبنا الانتظار وأزهق أرواحنا وتمكن من ملء الفراق بداخلنا ليجعل منا محطة انتظار صامدة ساكنة لا حول لها ولا قوة، حُكم عليها أن تبقى قاطرة عبور لحين قدوم آخر مغادر من العالم الثالث..
فظيع هو الانتظار.. يخسف بأمانينا ويركلها إلى زمن المستحيل غير مكترث بشهقاتنا واشتياقنا، بل يدهس عليها ويمشي ويتركنا خلفه نتجرع آلم الهزيمة ونيران الخيبة والخذلان، يقتل الفرح بداخلنا وينتهك حُرمة صبرنا ليجعل منا أعداء للوقت وخصماً قوياً ضد الزمن وتواتر الأيام.. الانتظار انتحار بطيء للأمنيات وموتٍ صامت لأبجديات أحلامنا، يفتك بصاحبه شيئاً فشيئاً فيخطف حلمه ويسرق بريقه ويبقيه معلقاً في غياهيب الذاكرة..
نحن أمة الانتظار المزمن نتقافز من انتظار في انتظار كالنحلة حينما تشدو من زهرة لأخرى، فإذا انتهينا من انتظار ماكر يخلفه انتظارات أخرى مرهقة وأكثر وجعاً فتتباين الأشياء المنتظرة، فقد يكون خبراً نود سماعه، وقد يكون شيئاً تنتظر بالفعل قدومه سواء بفعل الظروف أو من أشخاص معينين..
للانتظار وجع لا يشعر به إلا من وضع احتياجاته المتواضعة في إطاره الساحق كالسحب المتدلية من شرفة الأمنيات تجعلنا نخرج عن المعتاد فنفك قيود الصبر المتشبثة بكبريائنا لنعتلي منصة الهزيمة معلنين استسلامنا أمام وفدٍ كبير من قاتلي الأحلام ومزهقي المعنويات..