يعتمد الأديب الشاعر عبدالله بن إدريس في سرده لسيرته الذاتية التي عنونها بـقافية الحياة، أسلوب الكتابة الذي يتميّز عن بقية الأنماط السردية، فمبدأها المكاشفة وفضح الاستعارة التي يحرص الإنسان على تحريكها، ومحكومة ببعد قيمي، فالكلام عن الذّات مدحاً أو لوماً وتأنيباً، يستدعي حتماً السّجال معها والحكم عليها، وغالباً ما يكون هذا الحكم موزوناً بمقدار وضوحه الذي يلتزم به كاتب السيرة، ما يجعل الحسّ النقدي والانتقائي في عقله أكثر اشتغالاً من عقل كاتب الرواية أو القصة.
ابن إدريس يسرد في الكتاب الذي كتب مقدمته ابنه الزميل إدريس الدريس، والواقع في 375 من القطع الكبير، حالة الإحراج والممانعة، منذ دخوله المدرسة إلى معترك الحياة الوظيفية. ثم يبث عبر قصيدة الدار، لواعج حنينه لتغيّر حال الدار، وتداعت الذكريات كبرق خاطف أثناء رؤية الدراكتر وهو يهدمها، فاستدعت ذاكرته صور تجمع الأهل والأحبة فيها.
لقد بقيت بربع القرن شامخة بساكنيك، فنعم الأهل والدار
ذرفتُ دمعة محزونٍ ومنفجعٍ لما غَشَاكِ من التحطيم عِثْبار
سيرة ابن إدريس ليست سرداً قصصياً تتقاذفه المخيلة، وإنما توثيق لوقائع كان شاهداً عليها في صغره، ومشاركاً فيها في كبره، ويرصد علاقته الفاعلة مع الشخصيات المؤثرة في الحياة.
وفي بوح إنساني شفيف ينقلنا من العام إلى الخاص عبر قصيدة أأرحل قبلك أم ترحلين كتبها لزوجته يشكرها على ما قدمته:
أأرحل قبلك أم ترحلين وتغرب شمسي أم تغربين
لقد كنت نعم الرفيق الوفي
وأنتِ كذاك الرفيق الأمين
تسابقني في اصطناع الجميل
وتغبطني في انثيال اليمين