جمعني وإياه مجلس أحد الأصدقاء، وما إن عرف أنني كاتب في صحيفة الوطن، إلا وانطلق يكيل الاتهامات للصحفيين والكتاب، وأنهم يتتبعون كل زلة أوخطأ يقع فيه هذا المسؤول الحكومي الرفيع!
أدركت حينها أنني أجلس بالقرب من عقلية مسؤول كلاسيكي، ما يزال يؤمن أن أي نقد أو ملاحظة على الجهة التي يعمل بها، هو نقد شخصي موجه له، بينما الحقيقة غير ذلك تماما، فالمفترض أن يكون النقد موجها للجهة بذاتها، بغض النظر عن رأس هرمها أو قيادياتها الإدارية، فالأشخاص متغيرون بينما تلكم الجهات ثابتة ومستمرة.
ولكن للأسف، ما يزال كثير من المسؤولين الحكوميين يفترضون أن سهام النقد تستهدفهم شخصيا، لذا يحاولون في النهاية العمل على تلميع أنفسهم، وإظهار دورهم المحوري في تطوير الجهاز، دون أن يهتموا بالعمل الحقيقي، وهو حل تلك المشاكل وتجاوز العقبات التي يتداولها المنتقدون، والإيمان أن وجود عين ثالثة ـ وهي الإعلام ـ خير معين لأي مسؤول، مهما كان قادرا على تلمس احتياجات المستفيدين من خدمات جهازه، أو كان يعتقد أنه يعرف كل شيء عمن يشرف عليهم.
صحيح أن بعض النقد قد يكون هدفه تصفية حسابات شخصية، أو العمل على تشويه سمعة المسؤول، لكن الحل الوحيد لهذا الهجوم، هو تجاهل هذا التجريح الشخصي، والرد عليه في ميدان العمل الحقيقي، حينها يصبح المسؤول بلا حاجة للرد هنا أو التحدث هنا؛ لأن الإنجازات على أرض الواقع سوف تتكفل بذلك، والشواهد على ذلك كثيرة، فكم من مسؤولٍ حكومي لم يضع وقته في ملاحقة ما يكتب وما ينشر من نقد وتجريح، بل استغل وقته بالعمل على سد تلكم الفجوات، ومراجعتها بشكل منهجي مع أركان إدارته حتى لا تتكرر من جديد، مع إدراكه أن النقد لن ينتهي ولن يتوقف، ما دامت تلكم الإدارة تقدم خدماتها للجمهور.
خلاصة الحديث: عزيزي المسؤول اهتم بعملك، واستفد من عيون الإعلام في معالجة القصور والتقدم إلى الأمام، حينها سوف تسعد بتحول الإعلام وكتابه إلى سواعد مجانية لك!