على رأس الأسئلة التي تحاصرني كيفما ذهبت في الشأن الاجتماعي العام يأتي سؤال اللوم للكتاب أنهم لا يحاربون آفة الفساد الإداري والمالي بالصراحة والوضوح والمباشرة.

على رأس الأسئلة التي تحاصرني كيفما ذهبت في الشأن الاجتماعي العام يأتي سؤال اللوم للكتاب أنهم لا يحاربون آفة الفساد الإداري والمالي بالصراحة والوضوح والمباشرة. هنا يقف السؤال عن مرتبة هذه السلطة، فالصحافة لدينا لا تتحمل أن تكون في الرابعة. وبكل الصراحة فإن الكتابة في كثير من الأحيان هي جزء من منظومة الفساد إما بالتلميع أو بالمحاباة أو حتى بالسكوت. نحن جزء من هذا المجتمع ومن الخطأ أن يظن أحدكم أننا بريئون من محاباة مصالحنا وأمورنا الشخصية الخاصة، مثلما أننا غير أبرياء من التحزب لمدارسنا الفكرية أو الاجتماعية، مثلما أيضاً يصعب اعتراف بعضنا بأنه جزء من شبكة العلاقات العامة لهذه المؤسسة أو تلك أو لذلك الفرد أو ذاك. الكاتب مثل لاعب محترف يخضع لقواعد ناديه ولشبكة جماهيره.
ثم إن الأدهى من ذلك أن بعض الكتاب يعمل بالعقد الرسمي لترويج مطبوعة هذا أو ذاك من المؤسسات، أو بالاستشارة لتبليط ممرات العلاقات العامة والدعاية الشخصانية لهذا المسؤول أو ذاك. هذه هي الحقائق التي قد لا يعرفها الكثير من أصحاب الآمال الكبرى في سلطة الكاتب على محاربة الفساد. وأنا هنا لا أتهم أحداً، مثلما أنني لا أملك الدليل، ولكنني أقول واثقاً بالقلم المليان إن الفارق بين المحاربة والمحاباة في مقابل الفساد ما هو إلا فارق هلامي من خيط رفيع في هذه المسألة. لا يوجد في الحياة حقيقة كاملة البراءة. وكلما أمسكت بقلمي يسألني ابني الأوسط بكل البراءة: من هو ضحية اليوم؟ هو بريء حد السذاجة، لأنه يظن أن للكتابة ضحية. هو لا يعلم أن سكاكيننا من ورق مثلما لا يعلم أن للضحية الوهمية حزام عفة من فولاذ على جدار الرقبة. لا أحد يخشى من الكتابة، لأن الكل في ثقة أنه لم يعد بعدها من الحساب شيء: لا على الكاتب ليثبت أدلته بالبراهين ولا على الفاسد ليتجشأ ما ابتلعه. هو لا يعلم أيضاً أن صحيفتي في بعض الأحيان تتراقص أمامي مثل مرمى فارغ أمام مهاجم منفرد، مثلما لا يعلم أيضاً أنني بالعمد أرمي الكرة بعض الأحيان من فوق العارضة.