تناول المغردون خلال هذا الأسبوع خبرا مفاده أن الإنترنت سيقطع يوم الأربعاء - أمس - لمدة 18 ساعة، وهناك من ذهب ليؤكد الخبر بينما شكك آخرون، وحيث إني أكتب هذا المقال مساء الثلاثاء وقبل ساعات قليلة من الموعد المعلن فإني لا أعلم إن كان الانقطاع قد حدث أم لا، إلا أن الخبر ذاته - أو قل الإشاعة إن ثبت أن الخبر كاذب - لفت انتباهي لحقيقة أننا كبشر أصبحنا اليوم أسرى هذا العالم الافتراضي، بحيث أصبح وكأنه عالم مواز للعالم الحسي الذي نشعر به في أكلنا وملبسنا وعلاقاتنا الإنسانية المباشرة.
أشارت دراسة أجرتها هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات أن أكثر من 57% من السعوديين يستخدمون الإنترنت بصورة يومية، يقضونها إما في تصفح المواقع أو إجراء عمليات البحث أو البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي أو تطبيقات المحادثة الهاتفية، ووفق إحصائيات شركة إبسوس مارس 2013 يتبين نمو نسبة مستخدمي الإنترنت في السعودية بحيث وصلت إلى 60% من إجمالي السكان بمقابل إحصائيات الاتحاد الدولي للاتصالات حول عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم لعام 2010 التي أشارت بأن السعودية تأتي في المرتبة الـ31 عالميا من حيث عدد المستخدمين الذين بلغوا 10،550،028 يشكلون 41% من إجمالي عدد السكان، متفوقة من حيث النسبة على دول متقدمة صناعيا وتقنيا مثل الهند والصين وتركيا والبرازيل.
إذا فالإنترنت في السعودية كسائر دول العالم يعتبر أمرا أساسيا في الحياة الاجتماعية قد يصل مجازيا لأهمية الماء والمأكل، وبالتالي فإنه يجب علينا أن نبدأ في النظر للإنترنت بشكل مختلف نوعا ما عن ما نحن عليه الآن، والمتمثل باعتبار الإنترنت وسيلة أساسية للعمل والترفيه فقط، والنظر إليه باعتباره حقا لكل فرد ووسيلة حياتية أساسية يجب أن تقوم الدولة بتقديم التسهيلات والبرامج الداعمة للاستفادة القصوى من هذا الحق، بحيث يصبح جزءا بنيويا في النسيج الإنساني السعودي وليس مجرد وسيلة ترف أو ترفيه أو عمل حسب الحاجة.
هناك بطبيعة الحال جوانب سلبية ستلحق بالفرد ذاته من توفر هذا الحق بسهولة، وستلحق بالمجتمع نتيجة تحوله كشعب إلى شعب إنترنتي، فإلى جانب المشاكل الجسدية والنفسية التي أثبتها العلم سيكون من السهل على الأجهزة الأمنية رسم بروفايل واضح لكل فرد ومعرفة أفكاره وتوجهاته ورغباته ونقاط ضعفه، وذلك عبر تحليل طبيعة استخدام الفرد للإنترنت، لتتحقق نوعا ما نبوءة الروائي الإنجليزي جورج أورويل، التي قدمها في روياته الشـهيرة (1984).