'التطوير' لن ينجح إلا من رحم الميدان التربوي، بدءا بفكر وسلوك طلابنا ومعلمينا وإداراتنا ومناهجنا الدراسية للنهوض بالمدرسة وجدرانها الأربعة المحيطة بمستقبلنا

التغيير أنموذج لتقدم الشعوب وتأخرها، رغم أن الإنسان جُبِلَ على الحذر، وعدم الانقياد حيال كل جديد، لأن الجديد يعني تغييراً على غير ما ألفه وركن إليه، ليعتقد صاحبه سهولة توفير عناء المشاركة ليعيش في منطقة راحة تعود عليها، ولذلك لن نستغرب إن وجدنا مجتمعا متقوقعا على نفسه بسبب عدم سماحه للأفكار الجديدة بالمرور ليقوده ذلك إلى عدم التقدم والركون إلى الفشل ومبرراته!
وعند العيش في عالم حديث تكون سرعة رياح التغيير فيه هي الناطق الجبري في شتى الطرق، فإن ذلك يفرض علينا حياة مدنية واستخلافا مؤثرا في جميع المجالات والاتجاهات الأربعة، ومن المهم حينها أن نتأمل في لغة التغيير بالبدء في التطوير ومن أين، وإلى أين ينتهي؟
مشروع تطوير التعليم أحد المشاريع الهامة في مساره وقد كتبت عنه عدة مقالات منها.. من رأى تطوير؟، وبل أين تطوير؟.. وهنا تذكرت قبل فترة وجيزة تصريحاً لمدير عام شركة تطوير التعليم القابضة الدكتور علي بن صديق الحكمي والذي كان قبلها مدير عام مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام (تطوير)؟ والذي خرج تصريحه مطوراً ومُطَعَّماً بنظرياتٍ من التبرير وآلياته غير المقنعة أبداً!
ولعلنا هنا نستعرض معاً مقتطفات من تصريحه وسألخصها هنا في النقاط التالية:
- إن مشروع تطوير لم يصل بعد إلى ما يطمح إليه أو يسعى لتحقيقه، وأن (الأعوام المقبلة) ستكون شاهدة على تجويد التعليم بالمملكة..
- الاستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم العام حددت مجموعة متنوعة من البرامج والمشاريع والمبادرات..
- وجود عوائق ومشكلات تواجه تطوير التعليم، تتعلق باختلاف وجهات النظر حول التطوير والتغيير.. وأن الاختلاف أمر طبيعي ويحدث في كافة المجتمعات بنسب متفاوتة.
- الاختلاف حول تطوير يتطلب برامج في التواصل المجتمعي مع مختلف فئات المجتمع والحوار الذي يسمح بإبداء وجهات النظر التي تصب أخيرا في تحسين جودة العمل..
- المشروع (بصدد) البدء في تنفيذ برنامج للتواصل المجتمعي، والذي يشمل جميع شرائح المجتمع ومؤسساته من خلال وسائل التواصل لتحفيز الجميع و(تعريفهم) بالجهود التطويرية المختلفة وأوجه إسهاماتهم فيها..
- ردم الفجوة ومد جسور التواصل والحوار بين وزارة التربية والتعليم والمستهدفين بالعملية التعليمية من جانب، وبين الوزارة والعاملين في الميدان من جانب آخر.
- التركيز على المعلمين وتدريبهم..
ومن هنا لعلي أنطلق وبكل هدوء إلى نثر عدة تساؤلات لعلها تجد آذاناً صاغية بإذن الله.. ما الأسباب التي جعلت تطوير لم يصل حتى الآن لطموح وطن وأجيال وقد استنفد مداه الزمني ومدى التذرع كل عامٍ نحو (الأعوام المقبلة)؟
ما مدى وقع الكليشات المزعومة والمقتطعة من نظريات التربية وسلالمِها المصاحبة لـتطوير والتي يتناقلها بعض مسؤولي التربية كتناقلهم من مشروع لآخر دون محصلة واضحة؟!
ومن هذا المنعطف الحزين، لماذا تحضر دائرة المبرر وشماعة الإخفاق كجزء من أولويات الحد الأدني من مهارات عدم النجاح.. لننطلق سريعاً وبكل صراحة وشجاعة نتمناها من القائمين على المشروع.. مَن هم المختلفون حول تطوير التعليم ومقاوميه؟، ألا يمكن تنحيتهم أو الإعلان عنهم حتى يبرأ تطوير من العجز والتبرير؟، لماذا عندما نتأخر أو نخفق في أي مشروع وطني نجد كلمة نحن بصدد حاضرة لتكون رمزاً لأحد أهم معوقات التنمية وتزمين الحياة؟، أين التواصل الدائم مع الإعلام والإعلام الجديد؟ وإلى أين وصل المشروع وما هي مخرجاته؟؛ فالمجتمع والميدان التربوي بأسره يحتاجان صورة واضحة، وللأمانة هما لم يصلا لها حتى الآن.. لأن الصدد والتدثر أصابانا وأصابا تعليمنا!.
أما الميدان التربوي وخاصة المعلمين، فأسفاً أنهم آخر من يعلم عن تطوير شراكةً واهتماماً؛ فبمثال بسيط.. بعدما انتهت المناهج وتم اعتمادها زُجَّ بالمعلمين بين يوم وليلة، وبدأ تدريبهم بشكل محدود دون خطة واضحة، والضحية أبناؤنا ومنهج جديد جميل لكنه وحيد!، أما الحوار وربط المدرسة بأركان العملية التعليمية فأصولهما التربوية مدرسة ذات بيئة مناسبة جاذبة تقوم على التعلم بكل مناهجها وليس بمقياس ألوان أغلفة مقرراتها، أو فخامة مكاتب مسؤوليها!.
التطوير لن ينجح إلا من رحم الميدان التربوي، بدءا بفكر وسلوك طلابنا ومعلمينا وإداراتنا ومناهجنا الدراسية للنهوض بالمدرسة وجدرانها الأربعة المحيطة بمستقبلنا، وتحويلها إلى مؤسسة خلاقة للإبداع وبيئة محفزة للتعلم، من خلال نظرة شمولية مستقبلية تمثل التحدي الحقيقي لتطوير التعليم.. وهذا لن يتم كله إلا بإخلاص ووفاء نحو مستقبل وطن وأجيال!.