على اعتبار حال العالم الآن مع البؤس والصراع والوحشية المدمرة والعدوان، والنفاق الاجتماعي والسياسي. الإنسان ما يزال على ما كان عليه، ما يزال متوحشا، عنيفا. يحمل أكثر من وجه، وأكثر من شخصية، وقد بنى معظم علاقاته على هذا الأساس المتناقض.
أنت العالم، والعالم أنت. مما يقتضي أن العالم لا ينصلح أمرُه فعلا ما لم نصلح أنفسنا، وأنه ما دام البشر أنانيين، مستأثرين، كارهين، عدوانيين، عنيفين، فما من نظام اجتماعي من شأنه أن يوجِد مجتمعا مسالما ومنسجما لا عنفيا غير مدع للفضيلة في هيئة نفاق اجتماعي. المجتمع مؤلف من أفراد، وإذا كان عندنا مجتمع يضم ملايين الأفراد، كل منهم متمركز على نفسه، ويعتقد أنه الأفضل والمنزه، فمهما نُظِّم هذا المجتمع على المبادئ الإسلامية أو على أساس أخلاقي، فإن العنف الكامن في الفرد سيظهر في المجتمع حتما، ومهما احتُوي في اتجاهات معينة، فإنه سيبرز في اتجاهات أخرى.
مع أنه قد يبدو، للوهلة الأولى، أن الإصلاح الاجتماعي قد أحلَّ شيئا من النظام في المجتمع، فهذا من قبيل الوهم؛ لأن ذلك النظام سوف ينكسر لا محالة، الأمر الذي يتطلب إصلاحا جديدا يتغلب على الفوضى الجديدة في قيم الأفراد.
التدين بالمثل، ليس قضية ذهاب إلى مسجد أو كنيسة أو معبد، ليس قضية أداء عبادات أو مناسك أو شعائر معينة. فما أسهل ذلك! بوسع أيّ إنسان أن يؤدي هذه كلها ويشعر، بعد أن يفعل، أنه متدين حين تكون ممارسة الفضيلة بقرار ذهني بحت، فهي ليست بفضيلة، أن أُسقِط خارجيا صورة هي غير ما أنا عليه داخليا، ذلك هو النفاق، وشر الناس يوم القيامة ذو الوجهين، أي المنافق، والنفاق قطعا ليس فضيلة، قد تتصدق بمالك، وقد تقوم بإصلاحات رائعة؛ ولكن ما دام قلبك خاويا من الرحمة، وذهنك ينفذ فكرا منافقا لشريكك أو مديرك أو قبيلتك، فإنك تعيش في دائرة التناقض الحقيقي.
الفارق بين الإنسان المنافق والإنسان المستنير، أن الإنسان المستنير يبدو في الظاهر وكأنه يعيش ويعمل مثل الإنسان العادي تماما، لكن هذا ليس صحيحا؛ لأن دوافع كلٍّ منهما مختلفة، الحال الداخلية عند كلٍّ منهما مختلفة. ومنه، فإن التحول الحقيقي كامن في وعي الإنسان. فإذا كان قلبي عامرا بالمحبة، بالرحمة، وأمْلَتْ عليَّ محبتي أو رحمتي ما أعمله، فذاك هو الفارق الشاسع وتلك فضيلتي. الفضيلة لا تنمَّى، إنها حال ذهنية وقلبية، إما أن يشعر بها المرء فعلا، فتنسحب على حياته كلها، وإما ألا يشعر بها، فيستعيض عنها بقرار السعي إليها، وأعتقد أن فهم هذا مهمٌّ للغاية.