ما زالت الحقيقة شبه غائبة عن المواطن فيما يتم تحت قبة المجلس، فالمواطنون ينتظرون أن يعبِّر المجلس عنهم لا أن يعبِّر لهم

في هذا العام تمرّ عشرون سنة على إنشاء مجلس الشورى السعودي. مجلس شرفي، وعضوية أعضائه أشبه بـمكافأة، والعضو الصامت فيه والمعترض على القرارات يبقى أطول فترة ممكنة تحت قبته. هذه هي الصورة النمطية -المجتمعية- عن مجلس الشورى الموجودة لدى كثير من أفراد المجتمع.
ومع أن هذا أمر مؤسف طبعاً، إلا أن المجلس يتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية في شيوع هذه الصورة النمطية عنه؛ نتيجة عدم توجه كثير من أعضائه ولجانه إلى الابتكار وصياغة المشروعات الهامة والمستقبلية للمواطن، بل إن الكثير من أعضائه يحبطون زملاءهم الآخرين ويسهمون بإسقاط توصياتهم، على الرغم من أن طبيعة القضايا التي يتم طرحها في الجلسات تبتعد عن كونها مفصلية تتعلق بالمستقبل البعيد للمواطن السعودي.
لا تلغي هذه النظرة المجتمعية الدور الهام والتوصيات الجيدة التي قام بها المجلس منذ إنشائه، إذ إن للشورى دورا مأمولا في أن يعبّر عن آراء وتوجهات جميع فئات وشرائح المجتمع السعودي بلا استثناء، أو هكذا يفترض، فإن كل شريحة أو فئة مجتمعية لا تشعر بمن يمثلها تمثيلاً حقيقياً في المجلس إلا من يتبنى ويرعى مصالحها، ويبحث عن حل لمشكلاتها وتحسين أوضاعها، ولاسيما أولئك الأعضاء الذين يتذكرون كل الطبقات، من الكادحين والذين هم (على باب الله) إلى رجال الأعمال والتجار، ويفترض أن يكونوا صوت المجتمع بكل أطيافه واختلافاته ومناطقه وتكويناته الاجتماعية.
ويبدو أن الابتعاد المفترض عن هذا التمثيل المجتمعي يسهم في تكريس الهامشية من جهة، وعدم معرفة حقيقة ما يدور في المجلس من جهة أخرى، إذ إن ليس كل المواطنين يقطنون العاصمة الرياض وبالتالي يستطيعون حضور جلسات المجلس المفتوحة، هذه الجلسات التي لم تنقل منها جلسة واحدة على الهواء مباشرة في وسائل الإعلام المرئية منذ إنشائه قبل عشرين سنة! وهذا أسهم في التكتيم الإعلامي حوله، وبالتالي تكرست البيروقراطية فيه، لا بل إن المجلس أصبح أشبه بالوزارات والإدارات الحكومية حيث عُيّن له ناطق إعلامي (متحدث رسمي)، بينما المفترض أن يكون المجلس ذاته ناطقاً عن ذاته من خلال جلساته المنقولة مباشرةً.
في الفترة الماضية، أثيرت قضيتان في المجلس، لم يطلع المجتمع على الحقيقة فيهما، وأقصد بالقضية الأولى، تلك التوصية التي تقدمت بها ثلاث عضوات بطلب السماح بقيادة المرأة السعودية للسيارة، وأثير لغط حول كونها توصية شفهية أم ذات إجراءات نظامية؟ والقضية الثانية هي توصية أحد الأعضاء بوضع حد أدني للراتب التقاعدي، والتي صرّح متحدث الشورى بأنها فُهمت خطأ.
ما زالت الحقيقة شبه غائبة عن المواطن فيما يتم تحت قبة المجلس، فالمواطنون ينتظرون أن يعبِّر المجلس عنهم لا أن يعبِّر لهم، وهنا يُنتظر من المجلس أن يؤثر بتغيير صورته النمطية من خلال البث المباشر، والتعامل المباشر بقدر الإمكان مع المجتمع، إذ لم نرَ عضواً شورياًَ يزور منطقته البعيدة التي يفترض فيه أن يمثّلها ليتلمس أوضاع الناس، بل إن أعضاء الشورى هذا العام حصلوا على أطول إجازة في تاريخ المجلس.
عشرون سنة على نمط واحد أمر صعب. صحيح أن للمجلس جهودا في صالح المجتمع السعودي إلا أنها لا تكفي، ولا يمكن القبول بوجود أي نوع من الممانعة فيها؛ فالمشورة التي يفترض أن يقدمها الأعضاء من خلال لجان المجلس، يفترض أن تتيح لهم الإمساك بزمام المبادرة لا أن ينتظروا طلب المشورة، هذا من جانب، ومن جانب آخر يعتبر انفصام المجلس عن المشورة المجتمعية أمر سلبي آخر، إذ لم نسمع أو نقرأ أن مواطناً تقدم للشورى بمقترح وتبناه المجلس.
أعتقد أن تقدم العمر أمر مؤثر في التمثيل، فالأقلية في الشورى هم الشباب، بينما المجتمع السعودي مجتمع شاب تزيد فيه نسبة الشباب عن ستين بالمئة من مجموع السكان، وهنا ضرورة تناسب التمثيل، إذ لا يعرف المجتمع بالتحديد الأعضاء الفاعلين لكنه يتذكر بعض الأسماء، أما أكثرية الأسماء الذين مرّوا على المجلس منذ عشرين عاماً فربما لا يتذكرهم أحد!
إن مرور عقدين على تأسيس مجلس الشورى يستوجب إعادة النظر في صلاحياته واختيار أعضائه، بما ينعكس إيجاباً على التنمية في جوانبها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية؛ لأن التطوير لا يأتي إلا بالتخطيط، والتخطيط تتولاه العقول، والعقول تحتاج لأن تفكر في التنمية وفق آلية التفكير الاستراتيجي، وهذا ما سوف نتناوله في المقال القادم.