رغم كل المآسي ورغم كل الإحباطات ورغم دهاليز السياسة، يطل علينا الموقف السعودي المتمثل في اعتذار المملكة عن قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن حتى يتم إصلاحه وتمكينه فعليا وعمليا من أداء واجباته وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. ليسجل سابقة في المجلس وليصنف على أنه كان مفاجأة للعالم، مثلما وصفته وسائل الإعلام العالمية المختلفة.
فبيان وزارة الخارجية السعودية أوضح أن قرار اعتذار المملكة جاء نظرا لأن أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب، الأمر الذي أدى إلى استمرار اضطراب الأمن والسلم واتساع رقعة مظالم الشعوب واغتصاب الحقوق وانتشار النزاعات والحروب في أنحاء العالم، فبقاء القضية الفلسطينية بدون حل عادل ودائم لـ65 عاما والتي نجم عنها عدة حروب هددت الأمن والسلم العالميين، لدليل ساطع وبرهان دامغ على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته، وفشل مجلس الأمن في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل، سواء بسبب عدم قدرته على إخضاع البرامج النووية لجميع دول المنطقة دون استثناء للمراقبة والتفتيش الدولي، أو الحيلولة دون سعي أي دولة في المنطقة لامتلاك الأسلحة النووية، يعد دليلا ساطعا وبرهانا دامغا على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته.
ولعل المملكة أخذت من المواقف المتتالية المتناقضة والمضحكة والمبكية في آن واحد مما يحدث في سورية حاليا، مثالا حيا لما يثبت صحة موقفها، والعلة وراء موقفها الصادم للكثير من دول العالم حينما قالت إن السماح للنظام الحاكم في سورية بقتل شعبه وإحراقه بالسلاح الكيماوي على مرأى ومسمع من العالم أجمع وبدون مواجهة أي عقوبات رادعة، لدليل ساطع وبرهان دامغ على عجز مجلس الأمن عن أداء واجباته وتحمل مسؤولياته.
كل هذه المعطيات والخلفية التاريخية لمواقف هذا المجلس دفع بالمملكة انطلاقا من مسؤولياتها التاريخية تجاه شعبها وأمتها العربية والإسلامية وتجاه الشعوب المحبة والمتطلعة للسلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم، لأن تعلن اعتذارها عن قبول عضوية مجلس الأمن حتى يتم إصلاحه وتمكينه فعليا وعمليا من أداء واجباته وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين.
أقول: رغم غرائب السياسة فإن موقف بلادنا من هذه المهزلة ومن هذا المشهد القذر الذي يعرض علينا ليل نهار في أكثر من موقع، خاصة في منطقتنا العربية، موقف مشرف وموقف شريف حتى وإن قال البعض إنه لن يغير من الواقع شيئا، لأن ذلك الواقع المؤلم ما لم يمس بمثل هذه المواقف لن يتحرك مطلقا، ثم إن من يعلن موقفه علنا قائلا: لا، أشجع ممن لا ينطق أبدا، فضلا عن أنه يؤسس لمنهج جديد للتعامل مع هذا الواقع المتناقض والمؤلم، ويوجد أرضية لأنموذج يمكن أن يحتذى به مستقبلا.