حملات الحج النظامية لا تقبل حجاجا دون تصاريح، لأن الفوضى تؤدي إلى الفوضى، والدولة مسؤولة عن الحجاج أمنيا وصحيا واجتماعيا
موضوعان ساخنان يتم الحديث عنهما هذه الأيام وهما تصحيح أوضاع العمالة، وتنظيم أعداد الحجاج. وبداية لعلنا نتفق أنه لن يستقيم أي أمر بدون نظام، ثم إنه لن يتم الالتزام بأي نظام إذا لم تكن هناك روادع تكفل تطبيق النظام، ليس في بلادنا فحسب، بل في بلدان العالم بأسره. فلماذا نلام وننتقد إذا ظهرت لدينا تنظيمات جديدة تكفل لنا سير أي عمل بطريقة سلسة وحضارية وتجنب الكثير من المشاكل؟
فيما يتعلق بالحج نعرف جميعاً أن هناك حقائق ماثلة للعيان تتطلب التعامل معها بإجراءات محددة تكفل توفير بيئة وخدمات ومساحات كافية لتسهيل هذه الشعيرة على المسلمين. هذه الحقائق هي: أولاً أن المشاعر المقدسة لها طاقة استيعابية محددة يجب أخذها في الاعتبار. ثانيا: لدينا في المملكة حوالى 8 ملايين وافد وهؤلاء يعتبرون وجودهم في المملكة فرصة ذهبية لا بد من استغلالها بتكرار الحج والعمرة كل عام. ثالثا في هذا العام وللعامين القادمين يشهد الحرم المكي الشريف أعمال توسعة المطاف الأمر الذي جعل الطاقة الاستيعابية للطواف تقل كثيرا عنها في الأحوال العادية. رابعا: كان الأمر ميسورا في السابق للمواطنين الذين يرغبون في الحج، متى ما أرادوا، إلا أنه في ظل الانفجار السكاني في العالم أجمع، ومن ضمنه العالم الإسلامي، زادت نسب حجاج الخارج تبعا لزيادة عدد سكان دولهم، الأمر الذي تطلب وقفة جادة نحو تنظيم حجاج الداخل لإفساح المجال لإخوانهم حجاج الخارج الذين يؤدون هذه الشعيرة مرة واحدة في العمر. هذه العوامل الأربعة تطلبت مواقف حازمة وأنظمة صارمة يتم تطبيقها بحزم وفق تصريحات أمير مكة المكرمة والجهات ذات العلاقة بهذه العوامل الأربعة وبعيدا عن العاطفة التي يرى البعض أنه يجب أخذها في الاعتبار، خصوصاً وأن الأمر يتعلق بشعيرة دينية.
لكننا هنا نتساءل حتى توضع الأمور في نصابها: إذا قلنا إنه لا يجوز الوقوف أمام كل من يريد الحج لأنه شعيرة دينية ثم سمحنا لكل وافد بأن يحج على الرغم من معرفتنا للطاقة الاستيعابية للمشاعر، وعلى الرغم من معرفتنا -كما صرح المسؤولون عن الحج- أن بعض هؤلاء يذهبون للحج دون الاشتراك في حملات تكفل لهم السكن والتنقل والتفويج المنظم، ما هي النتيجة؟ النتيجة هي سكن غير منظم عن طريق الافتراش، ونسأل كيف يقضي هؤلاء حاجاتهم؟ وأين؟ كيف سيكون تفويجهم للطواف والرمي وما هو حال وسائل النقل التي يذهبون إليها عشوائيا وما هي النتيجة جراء ذهابهم؟ ويمكن أن يبرر الحزم في تصاريح حجاج الداخل بنفس المبررات، لأن حملات الحج النظامية لا تقبل حجاجا دون تصاريح. الدولة مسؤولة عن الحجاج أمنيا وصحيا واجتماعيا كما صرح بذلك أمير المنطقة.. والفوضى تؤدي إلى الفوضى، ولن يقبل من الدولة أي مبرر في حالة حدوث كوارث، لا سمح الله. لذا فإن التنظيم يهدف فقط إلى تسهيل هذه الشعيرة الهامة على حجاج بيت الله النظاميين أولاً وأخيراً. فوجود نظام يعلم به الجميع ويتم تطبيقه على الجميع يجب أن يبتهج به الجميع، حفاظا على أمن وسلامة وصحة وراحة ضيوف الرحمن الذين تتشرف بلادنا بخدمتهم.
أما ما يتعلق بتصحيح أوضاع العمالة فأقول إننا -أو بعض منا- قد سمع بتجارب أثناء سفره أو دراسته عن نظام الهجرة الحازم في الدول المتقدمة، وكيف يتم ترحيل أو منع الدخول لأي وافد إذا لم يستكمل إجراءات السفر أو الإقامة أو الدراسة النظامية. ونسأل: كيف نقبل بمقيم أو وافد بطريقة غير نظامية يكون خطرا على أمننا وعبئا على خدماتنا، ويمثل تهديدا على مجالات عمل شبابنا؟ وقبل ذلك مخالف لنظام بلادنا؟ تطوير الأنظمة بشكل عام ليس مسؤولية الدولة وحدها، بل مسؤولية كل مواطن مخلص صالح يحب وطنه ويعتز به ويحافظ على نظامه وأمنه ويكون عونا للمسؤول لأداء واجبه وخدمة وطنه. وسمعنا عن حديث هنا ورأي هناك أن الدولة ليست جادة في تصحيح أوضاع الوافدين ولن تكون قادرة على ذلك؛ ولأصحاب هذه الأقوال وتلك الآراء نقول أنتم واهمون، وستفاجأون بتطبيق أنظمة التصحيح. التصحيح سوف تكون له مردودات كبيرة على كل مستوياتنا الحياتية: الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. نحن بلا شك نرحب بإخواننا من جميع أنحاء العالم، وقد أثبتت بلادنا أنها مقصد للجميع، لكنها في ذات الوقت لا تقبل أن تخالف أنظمتها، تماما مثلما لا يقبل الآخرون أن تنتهك أنظمتهم.
خلاصة القول: نستغرب من ينتقدون الأنظمة التي يعرف الجميع أن هدفها التيسير والتسهيل وتقديم أفضل الخدمات، ونستغرب ممن ينتقد الأنظمة ولا يقدم حلولا بديلة.