لماذا حقق المنتخب الوطني في زمن الهواية الإنجازات ثم أخفق في السنوات الأخيرة؟ هل العيب في الاحتراف أم في تطبيقه؟ ثم إن الاهتمام باللاعب الجاهز جعل الأندية تنصرف عن الاهتمام بالناشئة الذين هم مستقبل الكرة ومنتخباتها
عندما يمر اليوم الوطني، نتحدث عن منجزات الوطن، ومن أبرزها ما كانت تحققه منتخبات الوطن وخاصة منتخب كرة القدم الذي كانت له صولات وجولات وكان ملء السمع والبصر، بل كان من أكبر الوسائل الإعلامية الخارجية للمملكة، ولأن للمنتخب استحقاقاً قارياً مهماً الأسبوع القادم، بل في يوم عيد الأضحى المبارك، أمام العراق، فقد آثرت أن أخصص مقال هذا الأسبوع لشؤون وشجون المنتخب الوطني الذي دارت عليه الأيام وهي دول، فتراجع المستوى فتبعته النتائج وانحدر التصنيف إلى درك لم يكن أحد يتوقعه.
ومن باب الغيرة على الوطن، فإنه يعز علينا ما وصل إليه الحال، لكن ثمة أسبابا جوهرية يدركها القائمون على شؤون المنتخب، وأدلى الخبراء والمختصون بدلوهم وشرح كل منهم الأسباب كما يراها، إدارية أو فنية أو احترافية أو إعلامية، وفي تصوري أن كل ما يطرح هو مسعى لتشخيص الداء كي يسهل الدواء ولكي تعود الهيبة والتفوق والإنجاز، وهذا ما نأمله إن شاء الله.
ومن وجهة نظري، فإن هناك عدة عوامل أدت إلى التراجع الذي حدث خلال العقد الأخير، منها المال الذي جاء نتيجة سوء تطبيق نظام الاحتراف لأن الاحتراف من حيث المبدأ ـ إن طبق بحذافيره ـ خطوة مهمة للتفوق وكانت بدايته مشجعة؛ لكن العيب ليس فيه بل في تطبيقه حيث إننا لا نراه في الوقت الحاضر إلا احترافاً ناقصاً، أثقل كاهل الأندية بالديون بسبب تلك العقود المبالغ فيها، وهنا ـ وللأمانة التاريخية ـ أورد رأيا مهما، بل وقوياً لباني النهضة الرياضية الحديثة الأمير فيصل بن فهد ـ رحمه الله ـ بشأن الاحتراف قاله وسبق به زمنه قبل 35 عاماً، إذ استضافه المذيع ماجد الشبل -شفاه الله- في برنامج إذاعي رمضاني اسمه ضيف الليلة وعندما سأله ما رأيكم في نظام الاحتراف هل بالإمكان تطبيقه عندنا؟ وهل يكون خطوة ودافعاً لتحسين الوضع العام لكرة القدم؟ أجاب بقوله: نحن في المملكة نعتقد أن الاحتراف سيقضي عاجلا أو آجلاً على كرة القدم، وأنا أعتقد بأن الاحتراف سيدمر الأندية وسيجعلها تتحمل من المصاريف ما لا تستطيع أن تتحمل! تلك إذاً نظرة الأمير الحاذق وكأنه يعيش الواقع الذي آلت إليه أنديتنا اليوم والديون التي أثقلت كاهلها، ومع ذلك تسرف وتصرف الملايين على استقطاب لاعبين منهم السعوديون، ومنهم الأجانب بعقود خيالية لا تتناسب وظروف الأندية، ولم يكن أحد يتوقع أن يصل الأمر إلى هذه الأرقام الفلكية، بل إن بعض الأندية تتورط مع بعض اللاعبين الأجانب إذا ما ألغيت عقودهم لأي سبب كان، إذ قد تصل شكاواهم إلى الاتحاد الدولي إذا لم يستطع الاتحاد المحلي معالجتها.
إن الديون المحدقة بالأندية اليوم هو ما كان يخشاه الأمير الذي اقتنع بعد 18 عاما من ذلك الحديث بتطبيق احتراف مقنن ومشروط ونجح كما قلت في بداية تطبيقه، لكن الذي يحدث الآن من حيث العقود أمر يجب على الاتحاد أن يضع له حداً وسقفاً وألا نكتفي بمقولة أن المسألة عرض وطلب، ولعل ما طرأ من تعديلات أعطت اللاعب في فترة معينة حرية اختياره من أسباب هذا الارتفاع غير المنطقي في العقود..
إنني أتساءل لماذا حقق المنتخب الوطني في زمن الهواية كل تلك الإنجازات ثم أخفق في السنوات الأخيرة هل العيب في الاحتراف أم في تطبيقه؟ ثم إن الاهتمام باللاعب الجاهز والبحث عن الكسب السريع جعل الأندية تنصرف عن الاهتمام بالناشئة الذين هم مستقبل الكرة ومنتخباتها.. أما التعصب للأندية الذي جاوز حدوده فقد جعل الشعور السائد ـ ومع الأسف ـ أن الأندية أولاً والمنتخب ثانياً؛ فالأندية تثور ثائرتها ويثور عجاج تعصبها فقط لفرقها ويغذي ذلك بعض الإعلام المتعصب إن لم أقل أغلبه مقروءاً ومرئياً في الإعلام التقليدي والإعلام الجديد، وقد وصل التعصب في كثير من الأحيان إلى حد الشتائم ما يرسخ في أذهان الشباب خاصة صغار السن منهم والمراهقين هذه الصفة المذمومة، وينمي لديهم الحقد والكره والبغضاء، فصرفنا ذلك عن الاهتمام الأكبر بمنتخبنا الوطني إلا ما رحم ربك، والسؤال ما الجهة أو الجهات المسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن كل ذلك؟ بالنسبة للأمور الفنية مثل الاحتراف وتعديلات نظامه فهذا شأن الاتحاد المحلي الذي عليه أن يراجع سلبيات الاحتراف ومعالجتها، وتعديل ما يمكن تعديله من المواد غير الملزمة ـ هناك مواد ملزمة يفرضها الاتحاد الدولي ـ أما الحد من غلواء التعصب، وما قد يجر إليه فمسؤولية الجميع بدءاً من الاتحاد ومسؤوليته الاجتماعية وانتقالاً إلى الهيئات الحكومية والإعلام والأندية؛ فرعاية الشباب باعتبارها الجهاز الحكومي المسؤول عن الرياضة ورعايتها ومسؤوليتها الاجتماعية، لها الدور الأهم في التصدي لهذه الظاهرة المزعجة قبل أن تستشري، ولديها في اعتقادي الكثير من الآليات وسبل المعالجة، مثل الاتفاقات التي وقعتها مع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ومع وزارة التربية والتعليم، ومن الأهمية تفعيلها وتحويلها إلى برامج تخدم هذا الهدف المهم، ووزارة التربية والتعليم نفسها عليها دور تربوي مهم جداً تجاه توعية هذا الجيل وتنمية حسه الوطني..أعود لمنتخبنا الوطني وأتمنى له التوفيق في الاستحقاقات الإقليمية والقارية المقبلة، وأقربها لقاؤه مع نظيره العراقي يوم الثلاثاء القادم (15 أكتوبر) الذي يصادف يوم عيد الأضحى المبارك! وأستغرب لماذا لم يلاحظ اتحاد كرة القدم وممثلوه في الاتحاد الآسيوي هذا الموعد الذي يمثل ذروة موسم الحج وفي يوم العيد بالذات! وأجزم لو أن أحداً نبه إلى ذلك عند وضع الروزنامة لتم تلافي ذلك، ثم إن على الاتحاد القاري احترام المناسبات الدينية والأعياد.. وبمناسبة عيد الأضحى المبارك كل عام وأنتم بخير.. وتقبل الله من الحجاج حجهم... آمين.