حدثني ذات مساء الشاعر الصاخب . وسيد التعددية المثيرة غازي القصيبي . ضاحكاً وحميماً كما عهدته وهو يردد متسائلا

حدثني ذات مساء الشاعر الصاخب . وسيد التعددية المثيرة غازي القصيبي . ضاحكاً وحميماً كما عهدته وهو يردد متسائلاً ويقول : هل تريد التنكيل بي يا أحمد؟ إن أم سهيل أرحم وأعدل وأعقل منك . ومهما حاولت فلن أكون فريسة رخيصة لطموحك غير النبيل . وكنتُ قد كتبت مقالة في الوطن بعنوان ( غازي القصيبي ومشعاب أم سهيل ) مهدت له بالحديث عن تجربته وطفرته الشعرية . كواحد من أكثر الشعراء العرب المعاصرين التصاقاً وتشابكاً مع الأرض . حين يحتشد لها بطاقته المذخورة ومعطاه الإبداعي ، فيعمد في أغلب قصائده ذات الملمح المكاني إلى النبرة البوحية والنفس الغنائي ، والاستغراق في تفاصيل المكان في حوار وبنية ملحمية محتدمة . بعد تلك المقدمة التي جعلتها مفتتحاً للوشاية به . تحدثت عن قصيدته أو مقطوعته الشعرية والتي أهداها لحورية السروات ( أبها ) في لغة شاهقة . ونسيج درامي مذهل . مما جعلنا في جنوب القلب نتداخل مع أبياتها العشرة كما تتداخل أوردتنا مع بوح الطين وعذوق الذرة . لقد أصبحت العلاقة بيننا وبين مفرداتها ولغتها الحية والفاتنة كالعلاقة ما بين العين وماء العين. يا عروس الربا الحبيبة أبها أنت أحلى من الخيال وأبهى وختمها تحت وطأة اندفاعه الشعري. وانهمار مشاعره المشدودة الماثلة في نغماته المتصاعدة صوب التوتر والومضة المشتعلة . لي قلب يخون كل غرام غير أبها فإنه لم يخنها . وبعد أن هدأت عواطفه المتموجة . واسترخت اصطفائيته الضاغطة . اكتشف أنه وقع ضحية غيبوبة أترعتها به عروسة الربا وسيدة الحلم الأخضر ( أبها ) فجعلته يحسم موقفه الغرامي المطلق بخيانه قلبه لكل جميل إلا أبها . لقد ظن أن غناءه الشجي على جبال السروات . وشدوه العذب ذات صيف عسيري . لن يتجاوز فضاء القصيدة . فقد أودع سره حقول الشمس الجنوبية . وبهاء الشجر العتيق . وأخفى غوايته الغرامية تحت جبال الضوء . وأكواخ الغيوم. وعندما عاد إلى داره مطمئناً فإذا به يفكك القصيدة ويستعيدها ويتخلى عن البيت القضية في سرية تامة . قبل أن تقرأ أو تسمع أو تلمح أم سهيل ذلك البيت الكارثة . فقام بحذفه من القصيدة في مجموعته الشعرية (أنت الرياض) وليشرع بعد أن منّ الله عليه بالستر بدفن ذلك البيت . وإعلان البراءة منه . فمشعاب أم سهيل وعينها الحمراء أسهمتا في طمس وإبادة البيت العاشر من القصيدة. والتعامل معه كما يتعامل الحطاب مع شجرة اللوز . وطرحتُ في آخر المقال سؤالاً بريئاً : هل بيت شاعرنا العملاق عن أبها المكان أم أنه عن ريم عسيري القوام ؟ رحم الله فارس الكلمة وضمير الثقافة غازي القصيبي .