• التعرف على الجانب الخاص في شخصٍ ما مليء دوماً بالمفاجآت. وهنا أعني المضيّ في صدقيّة الإنسان الفذّ، عن صدقية الخير والكدح والطيبة، قدرة الإنسان الفاعلة والعظيمة على العمل والمحبة في آن، حتى في أحلك الظروف الاجتماعية المعبأة بالعداء، والنبذ، بالجهالات والتخلّف!
• وللحق فهنالك أشخاص مُلهِمون، يلتقيهم المرء في مصادفات الأيام، يعلمونه قيماً مهمةً في الحياة، كان يظنها مجرد كلام تُملأ به الكتب والحكايات والمُثُل، ولم يكن على ثقةٍ ولا يقين بأنه من الممكن وجودها وواقعية معناها لهذا الحدّ، مثل أن تجد مسؤولاً، في جهة ما، يُفزع مهجَعه تعبُ الناس، ومثل أن تلتقي تاجراً وحلمه أن تكون الحياة أفضل وأكثر عدلاً وكفايةً، وأقلّ محتاجين!
• ولفهم هذه الخيريّة الأصيلة في الإنسان القوي، الإنسان النموذج، لا بدّ أن تكون أنت نفسك فاعلاً ومؤثراً وقوياً، حيث لا يمكن أن تُحمل طيبة المخلوق الهشّ على النبل والطيبة، بل على الضعف وقلة الحيلة، الفاعلية والتأثير والقوة هي مدار الخير الكامن والحقيقي، هذه مسألة يبدو أن أبناء هذا الزمن، لديهم من فرص البصيرة والانفتاح ما يكفي لفهمٍ مختلفٍ وآخر تماماً، عن فهم أجيالٍ مضت لا تعتبر قيمةً للآخرين إلا وفق العلاقة والحظوة، لا وفق الكفاءة والقدرة! إنسان الوطن اليوم يواجه على مدار الساعة الكثير من التفاصيل المُشرعة على حياة العالم الواسعة التي غيّرت إدراكه ومعاييره!
• الجرّاح القدير، الكتور فايز فلمبان، نموذجٌ للذين استيقظوا مبكراً، في زمنٍ سابق، وجيل محدود الأفق والتطلّع، عرفته عن قرب في السنتين الأخيرتين، وفي كل مرّة تلتقي أبا لؤي، يضيف لك معنىً جميلاً للقوة والفرادة والخير الحقيقي، مدهشاً في سلوكه وعفويته، وتحاشيه للسوء والضغائن. الذين يعرفونه يلتقون في الشهادة له بامتياز الكائن العفيف، المولع بالبساطة وحب الناس، دون الدخول أو التطفل على حيواتهم. وشخصياً فقد فاجأني بتواضعه، لدرجة أني لم أكتشف قدرته ومكانته العلمية والمهنيّة، ليس على مستوى الداخل فحسب، بل والخارج أيضاً، إلا بعد وقتٍ طويل من لقائه والتعرف به، فهو قليل الكلام عن نفسه، كثير الفعل، يسند كل هذا حساسيته الفنّية الموسيقية الجميلة، وصوته وغناؤه العذب.
• أكتب عن هذا النموذج للإنسان الوطنيّ الفاعل، ليس على سبيل الإنصاف المُستحق فقط، بل وتطلعاً لمجتمعٍ تسود معاييره الكفاءات، حيث قيمة الفرد فيه، هو قيمة ما أنجزه بحق وجدارة.