كرة القدم صناعة لا يمكن لنا أن نبنيها بـالكلام من دون أن نخلق تروس تحرك مكناتها وتنقلها من مرحلة الاستهلاك إلى مرحلة الإنتاج. صحيح أننا في المملكة بدأنا في تهيئة الأرضية الصالحة عبر انتخابات مجلس الإدارة، لكنها مجرد خطوة أولى لا تسمن ولا تغني من جوع ما لم يتبعها بناء طويل على أطراف عدة من أجل تحقيق النجاح.
كلنا نفكر في المنتخب كـنتيجة ونتساءل عن سبب إخفاقاته دون أن نسأل -وهي من عاداتنا العريقة- عن الخطوات الأولية، إذ لا يمكن لنا صناعة منتخب قدم على طريقة الوجبات السريعة، في عملية هشة من الممكن أن تحقق نتائج وقتية قصيرة، تنجح مرة وتخفق مرات، لكن إذا أردنا نجاحاً متواصلا فعلينا العمل على مستوى الناشئين والبراعم، ومن ثم الشباب والأولمبي كصناعة مكتملة البنيان.
دوري المدارس يجب أن يعود إلى سابق عهده بأي وسيلة، ويجب أن يجد الاهتمام الكامل من قبل وزارة التربية والتعليم والاتحاد السعودي لكرة القدم، فهو الخطوة الأولى نحو النجاح.
يجب أن تكون لدينا أكاديميات كروية حقيقية وليست ورقية أو مجرد أضواء لافتة، لأن الاهتمام الحقيقي يبدأ بين سن الـ8 والـ10، ومن ثم يكون هناك عمل تراكمي لإنشاء جيل كروي متميز، فنحن نمتلك موهبة وشغفا باللعبة، ولكننا نفتقد الاهتمام المبكر والعمل الدؤوب والخطط طويلة الأمد والاستمرار في العمل.
من المهم كذلك، البدء في مراكز التدريب في عدد من المناطق، واستغلال الملاعب والمنشآت، وجلب خبير وفريق عمل متخصص في الفئات السنية، يشرف على تنفيذ دورات وبرامج واختبارات للمدربين الوطنيين الذين سيعملون في المراكز، من أجل رفع مستواهم وتطويرهم. كما يجب الاهتمام بالشق الإداري بحيث يكون لدينا إداريون قادرون على تعليم النشء وتطوير قدراتهم العلمية والفكرية، بحيث يتم إخضاع المشرفين لدورات تأهيلية يدرك الإداريون من خلالها أهمية غرس الفكر الاحترافي في النشء.. فكرة القدم والتعليم يسيران في المسار ذاته ويجب ألا ينفصلا، فهما جناحا النجاح.
مراكز التدريب التي أقترحها يجب أن تهتم بالنشء منذ سن الثامنة، يخضع عبرها الطفل لدورات تنقسم بين الحصص التدريبية الفنية، وبين المحاضرات التثقيفية، وبين الدروس التعليمية، لمتابعة التفوق المدرسي لدى الطلاب الذي يعد اقترانه بممارسة كرة القدم أمرا لا تراجع عنه، بالإضافة إلى أهمية وجود وجبات غذائية خاصة ويومية بعد الانتهاء من الدوام المسائي للمنتسبين لتلك المراكز، حتى تساعدهم على تطوير إمكاناتهم الجسمانية.
من المهم أيضا، إقامة دورة كروية في منتصف العام الدراسي في الملز أو في أي بيت من بيوت الشباب التي يتوفر فيها السكن والملاعب والمقومات الأساسية، على أن يتم في نهاية العام اختيار منتخب من المراكز ومن المميزين في دوري المدارس، ويتم ابتعاثهم إلى إحدى الدول المتقدمة في اللعبة للخضوع لدورات تدريبية، كما سبق أن عمل بذلك في فترة ماضية، في إحدى الجامعات البريطانية، وذلك لإقامة معسكر تدريبي بالتعاون مع أحد الأندية الشهيرة وإقامة عدد من المباريات الودية، ليتم وضع اللبنات الأولى للنشء الذي سيصبح مستقبلنا الكروي.
نحن نحتاج إلى لاعبين مؤسسين فكريا وكرويا، منذ سن مبكرة على أن يتم الاهتمام بهم عبر برامج متكاملة تصقلهم وتطورهم بدءا من وصولهم إلى المنتخبات السنية التي يجب أن تواصل اهتمامها طوال العام سواء كانت هناك مشاركات أو لا وحتى بلوغهم مراحل متقدمة.
لن أنسى دور القطاع الخاص هنا، إذ يجب البحث عن شريك حقيقي يسهم ويطور ويشارك فيفيد ويستفيد، وليس عن راع إعلاني يبحث عن لوقو على قميص أو في ملعب، ما المانع مثلا أن تكون هناك شراكة في إنشاء مراكز تدريب للنشء، بالشراكة مع القطاع الخاص بحيث تتم رعاية المواهب وتطويرها، ويتم بيع عقودهم لاحقا للأندية بحيث يكون الشريك شريكا في المكاسب والموارد بحيث نضمن أن يكون هناك اهتمام بتجهيز اللاعب ونضجه كرويا وفكريا. كل هذا لأننا نبحث عن صناعة حقيقية لا تعتمد على دعم أو هبة. فكرة الاهتمام بالقاعدة والمراكز التدريبية يجب أن تعطى الأولوية حاليا وأن تكون نهجا واستراتيجية عمل طويلة لمستقبل كروي نحاول من خلاله استعادة الانتصارات التي جاءت في عهد كان يعتمد على الموهبة بينما نحن الآن في زمن لا يجدي فيه سوى الاعتماد على الصناعة والصبر لأعوام حتى نجني الثمار، ولتكن لنا عبرة في الدول التي كانت متخلفة في هذا المجال، وعندما تحولت إلى صناعة كرة القدم أصبحت في المقدمة مثل اليابان.
وقبل الختام لا بد أن نشير إلى اللوائح واللجان، فالأولى لا بد أن يتم تحديثها وتطويرها واعتمادها والسير بموجبها من غير مجاملة أو محاباة، والثانية يجب أن تنال كامل الصلاحيات من غير تدخلات أو حب خشوم.
إذا لم يهتم الاتحاد السعودي لكرة القدم بهذه الجوانب ويبذل قصارى جهده في العمل عليها فلن يحقق النجاح الذي يصبو إليه مهما حاول، فالخطوة الأولى تبدأ من البراعم وتنتهى بـالأول، أما العكس فلن ينتج سوى غبار النتائج، وسنعود بعد خمسة أو عشرة أعوام ليس لنتساءل عن عدم تأهلنا لكأس العالم، لأننا فقدنا الأمل حينها، ولكن لنتساءل: لماذا مازلنا نتراجع والآخرون يتقدمون؟ لماذا لم نحقق كأس الخليج؟ لماذا لم نتأهل لنهائيات آسيا، لماذا لم نتأهل لكأس العالم؟ ولماذا لا ننافس إذا ما تأهلنا؟