المرأة لا تصنع الحدث، كذلك الرجل، ولا مجال للتفرد بصناعة الحدث أبدا، إنما الذي يصنع الحدث ويبني التغيير هو المرأة والرجل مجتمعين، إلا أن المرأة تتفرد على الرجل في تهيئة المجتمع للتغيير
ما الذي تفعله المرأة السعودية في المجتمع؟ هل هي منفذة لأجندة تغريبية؟ أم باحثة عن حقوقها؟ إن آمنا بأنها فعلا تنفذ أجندة تغريبية، ألسنا بهذا الاتهام نقلل من قيمة المرأة؟ هذه المرأة التي لا تزال تثبت كل يوم أنها أكبر بكثير من أن تكون مجرد أداة تغريب!.. إن تهمة التغريب التي كثيرا ما تتهم بها المرأة السعودية عندما تطالب بحقوقها ليس لها إلا أحد تفسيرين؛ التفسير الأول: أن تكون التهمة من نسج خيالنا، وتلك مصيبة لأننا حينها نتهرب تماما من المسؤولية -كالعادة-، والتفسير الثاني: أن تكون تهمة التغريب حقيقة، وتلك مصيبة أعظم لأنها ـ وبشكل واضح ـ تدل على أن المجتمع قد مارس اضطهاد المرأة حتى أجبرها على أن تتجه غربا للخلاص.. فأي التفسيرين نختار؟ نحن إما أن نختار ما نعلل به تهمة التغريب، أو أن نخجل ونعترف بأن المرأة السعودية أكبر من أن تكون مجرد أداة للتغريب.
على الجانب الآخر، هل تبحث المرأة عن حقوقها فعلا؟ هل هي مضطهدة إلى درجة تدفعها لممارسة كل هذا الحراك؟ ألا ترى المرأة السعودية أن الحقوق التي تطالب بها لنفسها أكثر مما تحصل عليه الرجل في مجتمعه الذكوري؟! ألا تخفف هذه الحقيقة من معاناتها؟ ولماذا تصر على الظهور بمظهر الضحية؟
في الحقيقة إن كثرة الأسئلة هنا دلالة على مدى تعقد قضية المرأة السعودية، والتعقيد في قضيتها ليس لأنها امرأة في مجتمع ذكوري، إنما لأنها في مجتمع كل قضاياه على هذا النحو، عليها أن تدرك أنها ليست الضحية في هذا المجتمع إنما المجتمع هو الضحية، والمجتمع الضحية هو المجتمع الذي يعاني من تفاقم مشاكله وتشابك قضاياه.
إذا لو عدنا للسؤال الأول: ما الذي تفعله المرأة السعودية في المجتمع؟.. نستطيع أن نقول إنها لا تنفذ أجندة تغريبية، ولا تطالب بحقوقها!، هي ببساطة تؤذي دورها الذي خلقت له المرأة منذ أن خلقت على هذه الأرض، ودورها هو أن تهيئ البيئة المحيطة بها للتغيير القادم، هذا التغيير الذي إن حصل فستكون المرأة أيضا هي محوره.. إن المتأمل في القرآن الكريم والسنة النبوية سيجد أن المرأة قد أنجبت الأنبياء ومهدت لهم وساندتهم وشاركتهم حمل الرسالة، موسى – عليه السلام - ألقته في اليم امرأة وتتبعت أخباره امرأة وربته امرأة، وعيسى – عليه السلام - أنجبته امرأة وتحدت مجتمعها من أجله، وإلى أين اتجه محمد – عليه الصلاة والسلام - وهو خائف مما وجده في غار حراء؟ أليس إلى خديجة – رضي الله عنها- التي لم تكتف فقط بطمأنته إنما ساندته وحمته ودعمته حتى وافتها المنية؟
إن المرأة لا تصنع الحدث، كذلك الرجل، ولا مجال للتفرد بصناعة الحدث أبدا، إنما الذي يصنع الحدث ويبني التغيير هو المرأة والرجل مجتمعين، إلا أن المرأة تتفرد على الرجل في تهيئة المجتمع أو البيئة للتغيير، والقرآن عندما يذكر لنا أدوار النساء مع الأنبياء ففي هذا دلالة على أن المرأة استطاعت تهيئة بيئتها لمواجهة أصعب التغييرات، فالأنبياء لا يأتون لتغيير جزء فقط إنما لتغيير المنظومة كاملة فكريا واجتماعيا وفي حالة النبي محمد –عليه الصلاة والسلام- شمل التغيير حتى اقتصاديا وعسكريا وإداريا.. إذن، عندما نريد فهم طبيعة الحراك الذي تقوم به المرأة السعودية اليوم فلن نستوعبه إلا بفهم دور المرأة على مدى التاريخ، هذا الدور الذي يتكرر تاريخيا بنفس النمط مع اختلاف الكيفيات! وعملية تكرار هذا الدور للمرأة يخبرنا بكل وضوح أن الدور الذي تؤديه بهذا المفهوم تحديدا يعتبر سنة من سنن الله في الإنسانية، ولن تأتي المرأة السعودية اليوم لتبدل سنة الله حتى إن أرادت!
وبالنسبة لمسألة اختلاف الكيفيات أعلاه فهذا تحدده طبيعة المشكلة الاجتماعية، ومن خلال قراءة تاريخية يمكن القول: إن المرأة لا تقوم في الغالب بعمل ثوري جبار من أجل التهيئة، فكثيرا ما كانت تقوم بعمل بسيط نسبيا، كأن ترفض التخلي عن مقعدها في الباص من أجل رجل أبيض، ليترتب على هذا الرفض إلغاء التمييز العنصري في أميركا لاحقا! وفي المجتمع السعودي، قد تكون قيادة السيارة هي هذا الحدث البسيط نوعا ما، أو قد يكون الحدث أبسط من هذا -الله أعلم-.. عموما، هذا الدور العظيم للمرأة دائما تقابله محنة عظيمة، في السابق قيّل لها ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا واليوم تتهم بأنها أداة للتغريب!