على مدى 40 عاما، استطاع العم سعد الياسين، أن يصنع عشرات الآلاف من تنانير الفخار، التي يستخدمها الخبازون بالأحساء في المخابز الشعبية لطهي الخبز الأحمر بمختلف أنواعه، أو طبخ وجبة المندي.
ورغم أن العم سعد دخل العقد السادس، إلا أنه ما يزال يمارس هوايته المفضلة - كما سماها - في صناعة تنور كل يومين على الأقل، مستقطبا السياح قبل الخبازين.
ويستطيع دون أن يستخدم المسطرة أو القلم أن يحدد قطر وارتفاع التنور بيدين ناعمتين، اكتسبتا ذلك من ليُونة الطين وسلاسة الماء. والزائر لمحله القديم - مشتريا أو سائحا - يرى براعته في اتقان الصنعة، وكأنها لعبته المفضلة.. طين وماء، ولا شيء معهما سوى المهارة.
الوطن التقت بالعم سعد أمس في محله القديم المعتق بالطين، إذ قال إنه تعلم الصناعة منذ أن كان شابا مع أبيه في مدينة الهفوف، وكان يأتي معه ويلعب في الطين، دون نظرة للمستقبل، أو أن هذا العجين سيكون صديقا لـسعد مستقبلا، إلا أن والده لم يكن ينهاه عن اللعب، ولم يعرف الطفل سعد - آنذاك - لماذا، لكن ثمة حاجة في نفس أبيه لم يعر لها اهتماما، ولم يفهمها إلا بعدما كَبُر. وقال عرفت أن أبي يريد أن يورثني هذه المهنة دون أن يجبرني عليها.
ويوضح العم سعد أن معظم زبائنه من المنطقة ومختلف مدن ومحافظات المملكة، ولكن أبناء الخليج القريبين من الأحساء يطمعون في اقتناء تنانيره أيضا لمعرفتهم بجودتها وقدرتها المقاومة للحرارة، ويتراوح سعر التنور بين 350 و 500 ريال حسب الحجم.
وطالب الياسين بتوفير محل له أو ترميم الحالي من قبل الهيئة العامة للسياحية والآثار، كون أن هذه المهنة التراثية تعدّ من مقومات السياحة في الواحة، مبينا أن ممتهنيها في طريقهم إلى الاندثار بحكم عامل السن وندرة المتخصصين فيها، ولا أحد من أبنائهم يريد أن يتعلمها في ظل توفر وظائف أفضل.
وأشار الياسين إلى تنامي رغبة الناس في أكل الخبز الأحمر الذي يصنع أو يطهى داخل هذه التنانير الخزفية، نظرا لنكهته المميزة فيها، ويحمل معها شيئا من ذكريات الماضي، حتى إن السائحين أو الزائرين للمحافظة من الداخل والخارج يحرصون على أكل الخبز الشعبي من داخل التنور.