• قبل أكثر من ثلاثة عقود، كان التلفزيون السعودي أفضل منه اليوم بمراحل، حافلاً بتنوّع وانفتاح عاليين، مواكباً لزمنه وللعالم. لكم أن تتخيلوا أن هذا التلفزيون، بقناته الأولى، ثم الثانية في ما بعد، كان يعرض مسلسلاتٍ من نوع؛ عازف الليل، العاشق، المتنبي، العلم نور، أبطال بونانزا، أرض العمالقة، كولومبو، لاسي، دكتور هو، فيوري، وغير ذلك، ناهيكم عن المسرح، وبرامج الأطفال والترفيه، وفوق هذا كانت تزخر أيامه تلك بأفلام السينما العالمية جديدها. كانت رؤية نجوم كبار من نوع أم كلثوم وفيروز وفايزة أحمد وعبدالحليم شيئاً معتاداً، أيام تشكلت فصاحة الناس على لسان عبدالمجيد مجذوب وهند أبي اللمع وعبدالرحمن رشّي وغيرهم! فماذا حدث!
• قبل خمسة عقود كانت دور السينما البسيطة تملأ أفنية جدّة الأحواش، بمعدّات بسيطة، ورسوم رمزية، التي تعرض مختلف الأفلام العربية والأميركية والأوروبية والهندية، واشتهرت عوائل في ذلك الزمن بصناعة السينما، كعائلة الجمجوم. كتب الصديق علي فقندش في جريدة عكاظ تحقيقاً عن دور السينما في جدة، ملتقياً بالرجل السبعيني عليان شعبين (أحد صانعي السينما في ذلك الزمن)، وناقلاً عنه: وإلى جانب سينما الجمجوم سينما محمد سعيد باموسى في باب شريف، وسينما محمد باديب في باب شريف أيضا، وسينما محمد أبو صفية في الهنداوية، وهو والد أحمد أبو صفية بطل المملكة في رمي الجلة حاليا، كذلك سينما خالد محضار في باب شريف -وكان موقعها بالضبط مكان مسجد الروضة اليوم- وسينما صديق براش وكان عمله يومها مساعدا لمدير الأوقاف، وسينما سراج عمر سحاحيري في «السبخة» جوار البلدية يومها ثم انتقل سراج بسينماه إلى حي المصفاة بطريق الكرنتينة وكان السحاحيري يومها موظف بلدية، كذلك سينما قاسم بحي غليل مجاورا حي القريات أمام بترومين، وسينما «غازي ثواب» في السبيل جوار موقف مكة المكرمة، وتحديدا في حوش بيت محمد سبانو رحمه الله وكان يعمل في المباحث يومها، وسينما خليل بغدادي في حي العمارية في عمارة ريدان جوار مصنع حسين شبكشي للأثاث، وسينما مالك أحمد حسن فرحانة. فماذا حدث!
• هكذا كان الحال، أما اليوم فغالبية الناس لا يحتفظون بقنوات التلفزيون السعودي، بين مئات المحطات التي تملأ بيوتهم، إلا لسببين، أولهما متابعة مباريات كرة القدم المحلية، مع رداءة النقل والإخراج أحياناً، والسبب الآخر هو أول دقيقة من نشرة الأخبار السعودية بالقناة الأولى، ولمجرد أن ينتهي المذيع من أول دقيقة، ويعرف المواطن أنه ما من قرارات جديدة فإنه يطير فوراً لمتابعة الأخبار في قنوات أخرى، أكثر جودة واحترافية.
أيها التلفزيون السعودي.. من رآك!